الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

واجب من ضعف عن تغيير المنكر

السؤال

هناك أمر يقلقني بشدة، ويزيدني هما على هم كلما تذكرته. وهو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. والله أحب هذه الشريعة، وأتمنى لو أكون ممن يقومون بها على أكمل وجه، ووالله أبذل ما أستطيع، وأدعو الله على القيام بها، خاصة في بيت أهلي، حين أرى منكرا أحاول إنكاره، والحمد لله. لكن المشكلة الكبرى حين أكون خارج بيت أهلي. والله فتن لا مثيل لها، ومنكرات لا شيء يضاهيها عظمة. هذا وأنا في مكة، مهبط الوحي !!. متبرجات، وسافرات، أغاني وموسيقى، معاكسات. والله الشاهد. كيف أستطيع الإنكار؟ شيء ثقيل جدا علي. أنا وحدي، وأغلب من حولي يرتكبون منكرات، ولا أعلم من أنصح، ومن لا أنصح. ألم عظيم، أخشى أن أكسب إثما بسبب عدم إنكاري. ولو أنكرت بقلبي دون اللسان، أو اليد. أحزن، وأعلم أني ضعيفة إيمان. فكرت في عدة أفكار للنصح، ولا زلت أبذل جهدي، والحمد لله. ولعل من الأسباب التي تثقل القيام بهذه الشريعة علي خارج المنزل، هو خجلي الشديد، والرهاب الاجتماعي الذي أعاني منه. فأنا انطوائية، لا أحب التعارف، أو تكوين صداقات. فكيف إذا تحدثت مع شخص غريب عني. ناهيك عما سأتلقاه من سوء خلق، ورفض للنصيحة.
والآن سؤالي: هل أكسب إثما لو رأيت منكرا ولم أنكره، وعجزت عن إنكاره؛ لعقدة نفسية أعاني منها، أو لخوف؟
رجاء ارفقوا بي، وأعطوني جوابا يزيح هذا الهم. والله أحمله في قلبي لعام، والله أعلم به. والله كرهت الخروج إلى المنتزهات والحدائق، وغيرها فقط خوفا من الفتنة. والله أحيانا أذهب إليها وأبكي مما أراه، وأنا في مكة !!. أصبحت أفضل المنزل على الخروج لأي مكان، إلا لضرورة دينية، أو دنيوية. عدا ذلك أحاول ألا أذهب مع أهلي لمكان من غير سبب مقنع؛ لكثرة الفتن.
بماذا تنصحوني؟ بماذا تأمروني؟
يا رب فرجك، يا رب فرجك.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجزى الله خيراً الأخت السائلة على حرصها على الوقوف عند حدود الله، وغيرتها على محارمه.

ولتعلم أن فريضة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، من فرائض الإسلام العظام، والراجح من أقوال أهل العلم أنها من فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض، سقط الإثم عن الباقين، وإذا تركها الجميع، أثم القادرون عليها من غير عذر، وهي من مميزات هذه الأمة، وأسباب اختيارها، فقد قال الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ {آل عمران:110}.

فإذا عجز المسلم عن القيام بها بأي وجه من وجوه العجز، فإنها تسقط عنه، ويكتفي حينئذ بالإنكار بالقلب الذي هو آخر مراحل تغيير المنكر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وفي حديث آخر من روايته: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.

ولذلك، فإذا كنت تخشين خشية مستندة إلى سبب موجود واقعا وليس وهما أن يصيبك ضرر، أو أذى، فإنك تكتفين بالإنكار بالقلب، وبذلك يسقط عنك إثم السكوت عن المنكر، وهذه المرحلة من الإنكار لا تسقط بحال من الأحوال؛ لأن القلب لا سلطان لأحد عليه.

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا عملت الخطيئة في الأرض، كان من شهدها فكرهها، كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.

وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: إنه يستعمل عليكم أمراء؛ فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. رواه مسلم.

وقال ابن عبد البر في (التمهيد): من ضعف، لزمه التغيير بقلبه، فإن لم يغير بقلبه، فقد رضي وتابع. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني