الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفرد بعض الأجزاء الحديثية غير المشهورة بحديث قرينة على ضعفه

السؤال

مراجع الحديث الشريف تنقسم إلى قسمين:
1ـ مراجع حُفظت بفضل الله تعالى، واعتنى بها المحققون، وكانت لها مخطوطات عديدة في مناطق كثيرة من العالم؛ مما منع من إمكانية أن يطالها التزوير، مثل: الصحيحين، ومسند الإمام أحمد، وسنن الترمذي، وغيرها.
2ـ ومراجع ليست مشهورة، وإنما وجدناها مخطوطة محفوظة في الأزهر، أو غيره، وبعضها لم يطبع قط، وبعضها حققه بعض الباحثين، لكننا في النهاية لسنا متأكدين من كونها لم يطلها التزوير، مثل: مسند زيد بن علي، وصحيفة همام بن منبه، وفوائد الليث بن سعد، وغيرها.
أما القسم الأول من المراجع: فإننا إذا وجدنا في أحدها حديثًا بإسناد صحيح، نصححه مباشرة، ونقول: إن هذا الحديث صحيح، حتى لو لم يكن موجودًا في أي كتاب آخر.
والسؤال هو عن القسم الثاني من المراجع: كيف نتعامل معه؟ وما رأيك في هذا الرأي: إننا إذا وجدنا مخطوطة هذا المرجع غير المشهور في مؤسسة كبيرة –كالأزهر-، وقام بعض المحققين بتحقيقها، وإخراجها في صورة كتاب، ووجدنا في أحدها حديثًا بإسناد صحيح ليس مذكورًا في أي من الكتب المشهورة، أو مذكورًا في الكتب المشهورة بإسناد ضعيف، فإذا كان الحديث في باب الأحكام، فإنه هذا الإسناد يكون للاعتبار فقط، فإذا وجدناه في أكثر من كتابين من هذه الكتب غير المشهورة بهذا الإسناد الصحيح، أو بإسناد آخر صحيح، فإنه يكون حسنًا لذاته، وإذا لم نجده إلا في كتاب واحد، أو كتابين من هذه الكتب، فإنه لا يرتقي لدرجة الحسن، وإذا كان الحديث في باب فضائل الأعمال، فإنه يؤخذ به بالشروط التي اشترطها العلماء في العمل بالحديث الضعيف، ولا يقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يقال: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما الضابط الذي يمكّننا من القول: إن المرجع من القسم الأول أو الثاني؟ وهل هو شهرة الكتاب، وتحقيقه، وطبعه من دور نشر كثيرة، مثل: الكتب التسعة، وسنن البيهقي، ومعاجم الطبراني، وسنن الدارقطني، ومستدرك الحاكم، وصحيحي ابن حبان وابن خزيمة، ومصنف ابن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق، ومسند البزار.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الذي يقال هنا -بإجمال- ما يلي: إن خلو دواوين السنة المشهورة المعتبرة، والتي عني العلماء بنقلها، وروايتها، ونسخها، وتداولها عبر القرون، من رواية حديث ما، وتفرد بعض الكتب، أو الأجزاء الحديثية غير المعتمدة، ولا المشهورة بذلك الحديث، هو قرينة على ضعف الحديث، وعدم صحته، كما نص على ذلك جمع من العلماء، قال ابن الجوزي: فمتى رأيت حديثًا خارجًا عن دواوين الإسلام، كالموطأ، ومسند أحمد، والصحيحين، وسنن أبي داود، ونحوها، فانظر فيه، فإن كان له نظير من الصحاح والحسان، قرب أمره، وإن ارتبت فيه، ورأيته يباين الأصول، فتأمل رجال إسناده، واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمى بالضعفاء والمتروكين، فإنك تعرف وجه القدح فيه، وقد يكون الإسناد كله ثقات، ويكون الحديث موضوعًا، أو مقلوًبا، أو قد جرى فيه تدليس، وهذا أصعب الأحوال، ولا يعرف ذلك إلا النقاد. اهـ.

وقال الزيلعي: ويكفينا في تضعيف أحاديث الجهر ـ أي: بالبسملة في الصلاة ـ إعراض أصحاب الجوامع الصحيحة، والسنن المعروفة، والمسانيد المشهورة المعتمد عليها في حجج العلم، ومسائل الدين .اهـ.

وقال ابن تيمية: وليس في الأحاديث المرفوعة في ذلك حديث في شيء من دواوين المسلمين التي يعتمد عليها في الأحاديث ـ لا في الصحيحين، ولا كتب السنن، ولا المسانيد المعتمدة، كمسند الإمام أحمد، وغيره ـ وإنما يوجد في الكتب التي عرف أن فيها كثيرًا من الأحاديث الموضوعة المكذوبة التي يختلقها الكذابون. اهـ.

وقال ابن عبد الهادي: هذا الحديث حديثٌ منكرٌ، لا يصلح الاحتجاج به؛ لأنَّه شاذ الإسناد والمتن، ولم يخرِّجه أحدٌ من أئمة الكتب الستة، ولا رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، ولا الشَّافعيُّ، ولا أحدٌ من أصحاب المسانيد المعروفة، ولا يعرف في الدُّنيا أحدٌ رواه إلا الدَّارَقُطْنِيُّ عن البغويِّ، وقد ذكره الحافظ أبو عبد الله المقدسيُّ في المستخرج، ولم يروه إلا من طريق الدَّارَقُطْنِيِّ وحده، ولو كان عنده من حديث غيره لذكره، كما عرف من عادته أنَّه يذكر الحديث من المسانيد التي رواها، كمسند أحمد، وأبي يعلى الموصليِّ، ومحمَّد بن هارون الرُّويانيِّ، ومعجم الطَّبرانيِّ، وغير ذلك من الأمهات، وكيف يكون هذا الحديث صحيحًا سالمًا من الشُّذوذ والعِلَّة، ولم يخرِّجه أحدٌ من أئمة الكتب الستة، ولا المسانيد المشهورة، وهم محتاجون إليه أشدّ حاجة؟! والدَّارَقُطْنِيُّ إنَّما جمع في كتابه السُّنن: غرائب الأحاديث، والأحاديث المعلَّلة والضَّعيفة فيه أكثر من الأحاديث الصَّحيحة السَّالمة من التَّعليل .اهـ.

وجاء في شرح علل الترمذي لابن رجب: قال أبو بكر الخطيب: أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب عليهم كتب الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ، من رواية المجروحين والضعفاء، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنبا، والثابت مصدوفًا عنه مطرحًا؛ وذلك لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم، ونقصان علمهم بالتمييز، وزهدهم في تعلمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين الأعلام من أسلافنا الماضين، وهذا الذي ذكره الخطيب حق، ونجد كثيرًا ممن ينتسب إلى الحديث، لا يعتني بالأصول الصحاح، كالكتب الستة، ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل مسند البزار، ومعاجم الطبراني، وأفراد الدارقطني، وهي مجمع الغرائب والمناكير. اهـ.

بل ذهب بعض العلماء إلى ما هو أبعد من ذلك، فمن قائل: إنه لم يفت الصحيحين من الحديث الصحيح إلا القليل، ومن قائل: إنه لم يفت الكتب الخمسة من الأحاديث الصحيحة إلا النزر اليسير ، قال النووي: أول مصنف في الصحيح المجرد: صحيح البخاري، ثم مسلم، وهما أصح الكتب بعد القرآن، والبخاري أصحهما، وأكثرهما فوائد، وقيل: مسلم أصح، والصواب الأول، واختص مسلم بجمع طرق الحديث في مكان، ولم يستوعبا الصحيح، ولا التزماه، قيل: لم يفتهما منه إلا قليل، وأُنكر هذا، والصواب: أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير، أعني: الصحيحين، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي. اهـ.

وأما ذكر ضابط محدد للتعامل مع أسانيد أحاديث الكتب الغريبة غير المشهورة: فلم نقف عليه، وكذلك الرأي الذي نقلته لم نقف على ذكر له عند أحد من العلماء ـ حسب بحثنا ـ لكن من المقرر عند أئمة الحديث أنهم في أبواب الحلال والحرام، والأحكام، يتشددون في نقد الأسانيد والرجال، وأما في أبواب الفضائل، والرقائق، ونحوها، فيتساهلون في نقد أسانيدها وروايتها، وفي رواية الضعيف فيها، والعمل به ـ وهذا فيما ليس مكذوبًا، أو شبهه، فمثل هذا لا يلتفتون إليه أبدًا ـ قال البيهقي عن الأحاديث الضعيفة المتفق على ضعفها: وهذا النوع على ضربين:

ضرب رواه من كان معروفًا بوضع الحديث، والكذب فيه، فهذا الضرب لا يكون مستعملًا في شيء من أمور الدين، إلا على وجه التّليين.

وضرب لا يكون راويه متهمًا بالوضع، غير أنه عرف بسوء الحفظ، وكثرة الغلط في رواياته، أو يكون مجهولًا لم يثبت من عدالته وشرائط قبول خبره ما يوجب القبول، فهذا الضرب من الأحاديث لا يكون مستعملًا في الأحكام، كما لا تكون شهادة من هذه صفته مقبولة عند الحكّام، وقد يستعمل في الدعوات، والترغيب والترهيب، والتفسير، والمغازي فيما لا يتعلق به حكم، سمعت أبا عبد الله الحافظ، يقول: سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري، يقول: سمعت أبا الحسن: محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: كان أبي يحكي عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: إذا روينا في الثواب والعقاب، وفضائل الأعمال، تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام، والأحكام، تشددنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال. اهـ.

وأما ضابط الكتب المعتمدة المشهورة من غيرها: ففي النقول التي سلف ذكرها بيان لجملة الدواوين المعتبرة، وأمثلة لبعض الكتب غير المعتمدة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني