الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين ذكر الله والقيام بالعمل الصالح وخدمة الأمة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال الذي يحيرني منذ مدة هو أولوية الذكر:
ألن يتقبل الله مني عملاً صالحاً وخيراً في حق نفسي وحق الإسلام والمسلمين يرضاه أكبر من تقبله لذكره سبحانه وتعالى هي براجماتية تفرض نفسها أمام أوضاع المسلمين المتردية في النهاية أليس العمل الصالح ذكراً والكد ذكرا وكل علاقة مع مخلوقات الله الدواب منها والجماد ذكر في شكل آخر أكثر واقعية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإنه قد ثبتت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أهمية الذكر وفضله، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات. رواه مسلم. ومنها: قوله: ما عمل آدمي عملاً أنجى له من العذاب من ذكر الله. رواه الطبراني، وحسنه الألباني. ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى، قال: ذكر الله. رواه أحمد والترمذي والحاكم، وصححه الأرناؤوط والألباني. ومنها: قوله جواباً لمعاذ لما سأله أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله. رواه ابن حبان، وحسنه الألباني. وقد ثبتت أحاديث أخرى تبين أفضلية بعض الأعمال الأخرى كالجهاد والصلاة والحج والصوم، فقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أفضل العمل عدة مرات، فأجاب مرة بقوله: إيمان بالله وجهاد في سبيل الله. كما في حديث البخاري، وأجاب مرة بقوله: الصلاة على وقتها. كما في حديث الصحيحين، وأجاب مرة بقوله: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور. كما في حديث البخاري، وأجاب مرة بقوله: عليك بالصوم فإنه لا عدل له. كما في حديث النسائي، وصححه الألباني. وأجاب مرة بقوله: العج والثج. كما في حديث ابن ماجه وأبي يعلى والحاكم، وصححه الألباني. وقد وفق أهل العلم بين هذه الأحاديث بحمل اختلاف الإجابات على اختلاف أحوال السائلين، كما تختلف إجابات الطبيب الماهر للمرضى بحسب اختلاف أحوالهم، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2953، 12178، 20102. واعلم أن الذكر باللسان قد شرعه الله تعالى في جميع الأوقات والأحوال قال تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191]. وقال تعالى: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ [آل عمران:41]. وإذا كان ذكر اللسان مشروعاً في كل حال، فإنه لا يعارض القيام بغيره من الأعمال حتى يصاب الإنسان بحيرة في أولوية الذكر أو غيره، فقد شرع الله الذكر مع الصلاة والحج والجهاد والصوم والبيع والزكاة. قال تعالى في شأن الصلاة: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طـه:14]. قال ابن كثير معناه: صل لتذكري. وفي حديث مسلم: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن. وقال تعالى في شأن الصوم: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]. وقال تعالى في شأن الحج: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]. وقال: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203]. وقال تعالى في شأن الجهاد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45]. وقال في البيع والكسب: يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور:36]. وقال تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10]. وقال تعالى في الذكاة: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ [المائدة:4]. ثم أعلم أن الذكر قد يطلق على الأعمال الصالحة والطاعة، كما قال الناظم: والذكر يطلق على كل عمل====به يراد وجهه عز وجل وقد فسر ابن كثير قوله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طـه:124]. فقال: أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي. وقد فسر الطبري والقرطبي قوله تعالى إخباراً عن سليمان أنه قال: إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب. فسر قوله عن ذكر ربي بالصلاة. وقد نقل ابن كثير عن ابن عباس أنه فسر قوله تعالى: رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ [النور:37]. وبناء على هذا، فاحرص أخي في الله على الذكر باللسان دائماً، وعلى جميع الأعمال الأخرى اتباعاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يذكر الله على كل أحيانه، كما رواه البخاري ومسلم عن عائشة. وراجع في كتب الأذكار بيان برامج الذكر في الأوقات والأعمال والأحوال المختلفة عند الأكل والشرب والمساء والصباح والدخول والخروج والركوب... فأشغل لسانك بالأذكار المأثورة، وأعمل قلبك في التفكير في مخلوقات الله، وانشط في تغيير أوضاع المسلمين واكدح وتكسب وقم بأنواع العبادات، وابتغ بذلك كله وجه الله. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني