الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعليق الإبراء من الدَّين على الموت هل يسقطه؟

السؤال

احتاج زوجي مبلغًا من المال، فبعت ذهبي لكي أوفر له المبلغ وأساعده، وكان هذا على أساس أنه دين، وسيعيده لي بعد ذلك، وبعد مرور عدة سنوات، أصبح يتكلم عن الموت، وأنه خائف من أن أموت قبل أن يعيده لي، مع العلم أنه كان عليه دين مع ذهبي، وسدده، لكنه لم يفكر في أن يعطيني جرامًا، وبقي يتمنى بالكلام أن أسامحه عليه، إلى أن قلت له: لو حدث لك شيء، فقد سامحتك، ولم يكن في نيتي أنه لن يقضيه، وأصبح كلما جاء ذكر الموضوع، يقول لي: ليس لك شيء عندي نهائيًّا، فهل فعلًا ليس لي شيء عنده؟ مع العلم أني لم أكن أملك في حياتي إلا هذا الذهب، وليس عندي أي شيء نهائيًّا. أفيدوني.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دام زوجك قد أخذ هذا الذهب على جهة القرض، فهو دين عليه، يجب عليه تسديده، ويأثم بالمماطلة في الوفاء مع القدرة عليه؛ لما ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم.

فعليك أن تذكريه بالله تعالى، وتبيني له ضرورة قضاء دينه؛ لئلا يعرض نفسه للإثم والمؤاخذة.

وأما إن كان معسرًا، عاجزًا عن الوفاء، فعليك إنظاره حتى يتيسر له ذلك؛ لقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ {البقرة:280}.

وأما تعليقك براءته من الدين على موته، فلا يصح عند الجمهور، ويكون الدين لازمًا له حتى لو مات، فتستحقينه من التركة، واختار ابن القيم في إعلام الموقعين صحته، قال -رحمه الله-: الْمِثَالُ السَّبْعُونَ: إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَقَالَ: "إنْ مِتَّ قَبْلِي، فَأَنْت فِي حِلٍّ، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك، فَأَنْت فِي حِلٍّ"، صَحَّ، وَبَرِئَ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ فَإِنَّ إحْدَاهُمَا وَصِيَّةٌ، وَالْأُخْرَى إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، كَمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْإِحْلَالِ مِنْ الْعَرْضِ، وَالْمَالُ مِثْلُهُ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إذَا قَالَ: "إنْ مِتُّ قَبْلَك، فَأَنْتَ فِي حِلٍّ"، هُوَ إبْرَاءٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ، وَإِنْ قَالَ: "إنْ مِتَّ قَبْلِي، فَأَنْتَ فِي حِلٍّ"، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُقِيمُوا شُبْهَةً، فَضْلًا عَنْ دَلِيلٍ صَحِيحٍ عَلَى امْتِنَاعِ تَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ، وَلَا يَدْفَعُهُ نَصٌّ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ؛ فَالصَّوَابُ صحة الإبراء في الموضعين. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني