الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم ما أخذه المرابي من فوائد قبل التحريم

السؤال

لماذا بعد أن حرم الله الربا، لم يأخذ المرابَى حقه من المرابي، وقال الله: لا تظلمون ولا تظلمون؟ وجعل الله المرابي والمرَابى سواء؛ وهما ليسا كذلك، والمرابي أخذ أكثر من حقه بالفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن حيث الإجمال نقول: إن مما لا شك فيه، أن الربا من أعظم المحرمات، ومن أكبر الذنوب والسيئات، وهو الجالب لحرب الله. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279]. كما بين سبحانه ما يفعله متعاطي الربا إذا تاب، ودينه الربوي لم يقبضه، في قوله: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ {البقرة:279}، أي ليس للمقرض إلا رأس ماله فقط، ولا يحل له أخذ الزيادة المشروطة في القرض؛ لأنها ظلم يأخذه بالباطل.

قال ابن جرير الطبري في تفسيرها: يعني جل ثناؤه بذلك: "إن تبتم" فتركتم أكلَ الربا، وأنبتم إلى الله عز وجل "فلكم رؤوس أموالكم" من الديون التي لكم على الناس، دون الزيادة التي أحدثتموها على ذلك ربًا منكم. انتهى.

وما ذكرته من قولك إن ما أخذه المرابي من فوائد قبل التحريم، لم يطالب به، مع أنه أخذ زيادة على حقه، هو ما أشارت إليه الآية: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ {البقرة:275}.

قال أهل التفسير: فَلَهُ ما سَلَفَ: فلا يؤخذ بما مضى منه؛ لأنه أخذ قبل نزول التحريم. وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ: يحكم في شأنه يوم القيامة، وليس من أمره إليكم شيء، فلا تطالبوه به. كما ذكر النسفي والزمخشري وغيرهما.

فالمعاملات والعقود التي كانت قبل نزول التحريم، لا تنقض بعد الإسلام. وهل الآية تتناول المسلم إذا كان يجهل التحريم وعلم به؟ أو الأمر خاص بالكفار؟ في ذلك خلاف.

قال أبو حيان في البحر المحيط: والظاهر أن الآية كما قالوا في الكفار، لقوله: فله ما سلف؛ لأن المؤمن العاصي بالربا، ليس له ما سلف، بل ينقض ويرد فعله، وإن كان جاهلا بالتحريم، لكنه يأخذ بطرف من وعيد هذه الآية. اهـ.

وبعض العلماء يرى أنها تتناول المسلم الذي كان يجهل التحريم، وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك مفصلًا في تفسير آيات الربا من سورة البقرة، عند قوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة: 275]، من كتابه: (تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء).

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني