الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من سبّ ربّ الجامعة هل وقع في الكفر؟

السؤال

طرأت لي اليوم مشاكل في الجامعة، وعند خروجي منها شتمتها من غير قصد، وذكرت كلمة: "رب" في وسط الجملة، أي أني شتمت وبعده قلت: "رب الجامعة"، ولم أقصد أبدًا أن أشتم الله، فهل أنا بهذا كافر؟ وإن كنت كذلك، فكيف أدخل الإسلام من جديد؟ مع العلم أن هذا النوع من الشتائم شائع في بلدي، وأظن أنه من كثرة سماعها خرجت من لساني دون قصد.
أرجو الإجابة عن سؤالي في أسرع وقت، وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الأصل بقاء المسلم على الإسلام، فمن ثبت إسلامه بيقين، فلا يخرج منه إلا بيقين.

وأما الأقوال، والأفعال المحتملة، فلا يُكفَّر بها المسلم، جاء في شرح الشفا لعلي القاري: قال علماؤنا: إذا وجد تسعة وتسعون وجهًا تشير إلى تكفير مسلم، ووجه واحد إلى إبقائه على إسلامه، فينبغي للمفتي، والقاضي أن يعملا بذلك الوجه، وهو مستفاد من قوله عليه السلام: ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجًا، فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو، خير له من أن يخطئ في العقوبة. رواه الترمذي، والحاكم. اهـ.

والمسلم غير مؤاخذ بما سبق به لسانه دون قصد منه، قال ابن عثيمين: من سبّ دين الإسلام، فهو كافر، سواء كان جادًّا أو مازحًا، أما شيء سبق على لسانه: بأن كان يريد أن يمدح الدين، فقال كلمة سب بدون قصد، بل سبقًا على اللسان، فهذا لا يكفر؛ لأنه ما قصد السب، بخلاف الذي يقصده وهو يمزح، فإن هنا قصدًا وقع في قلبه، فصار له حكم الجاد، أما هذا الذي ما قصد، ولكن سبق على اللسان، فإن هذا لا يضر؛ ولهذا ثبت في الصحيح في قصة الرجل الذي كان في فلاة، فأضاع راحلته وعليها طعامه وشرابه، فلم يجدها، ثم نام تحت شجرة ينتظر الموت، فإذا بناقته على رأسه، فأخذ بزمامها، وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح، فلم يؤاخذ؛ لأن هذا القول الذي صدر منه غير مقصود له، بل سبق على لسانه، فأخطأ من شدة الفرح، فمثل هذا لا يضر الإنسان، لا يضر الإنسان؛ لأنه ما قصده، فيجب أن نعرف الفرق بين قصد الكلام وعدم قصد الكلام، ليس بين قصد السب وعدم قصده؛ لأن هنا ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: أن يقصد الكلام والسب، وهذا فعل الجادّ، كما يصنع أعداء الإسلام بسبّ الإسلام.

الثانية: أن يقصد الكلام دون السبّ، بمعنى يقصد ما يدل على السبّ، لكنه مازح غير جاد، فهذا حكمه كالأول: يكون كافرًا؛ لأنه استهزاء، وسخرية.

المرتبة الثالثة: أن لا يقصد الكلام، ولا السب، وإنما يسبق لسانه، فيتكلم بما يدل على السب دون قصد إطلاقًا، لا قصد الكلام، ولا قصد السب، فهذا هو الذي لا يؤاخذ به، وعليه يتنزل قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم)، فإنه هو قول الرجل في عرض حديثه: لا والله، وبلى والله، يعني ما قصد، فهذا لا يعتبر له حكم اليمين المنعقدة، فكل شيء يجري على لسان الإنسان بدون قصد، فإنه لا يعتبر له حكم. اهـ. باختصار من فتاوى نور على الدرب.

فضلًا عن أن عبارة: (رب الجامعة)، لا يلزم أن يراد بها أصلًا رب العالمين سبحانه، فقد يراد بها صاحب الجامعة، والمسؤول عنها، أو غير ذلك، فالأمر فيها مرده إلى مراد القائل، وقصده.

والخلاصة: أنه ينبغي لك الإعراض عن قضية وقوعك في الردة، والكفر، وعدم التفكير في ذلك، مع ضرورة صون لسانك عن السب، واللعن.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني