الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصيحة للمرأة التي يعاملها زوجها بغلظة وجفاء

السؤال

أرجو من الله العلي القدير أن يجعل ما تقدمونه من أحكام فقهية لنا في موازين أعمالكم.
لديّ مشكلة زوجية، أثّرت كثيرًا في حياتي، وراحتي، وأقلقت تفكيري، وصحتي، وأرجو منكم الإفادة بالأحكام الفقهية فيها؛ لأن دموعي أهلكتني.
أنا زوجة ثانية، وموظفة في مدينة غير التي يسكن فيها زوجي، وهو على علم بذلك قبل أن يتقدم لخطبتي، وأبدى استعداده لقبول ذلك، وصبره حتى يتم نقلي إليه.
ولي الآن ثلاث سنوات لم يتم نقلي إليه، وأمر ذلك ليس بيدي، ولا بيده؛ لصعوبته، وكل ما في يدنا انتظار النقل.
المشكلة أن زوجي رغم أنه يخاف الله، وعلى خلق ودين، إلا أنه يهملني كثيرًا، فأنا أذهب إليه في إجازاتي الرسمية في منزلي الأساسي هناك، لكنه لا يأتيني أبدًا عندما أكون في بيت أهلي وقت عملي، رغم أنه يستطيع أخذ إجازة لمدة يوم، أو يومين؛ فذلك لا يضره، أو على الأقل يستطيع المجيء في نهاية الأسبوع، ولو مرة في الشهر، خصوصًا أن مدينتي لا تبعد عنه كثيرًا، لكنه يقضي عدة شهور لا يأتي ليرانا أنا وابنه، وحتى في الاتصال والسؤال مقصر جدًّا جدًّا، ويعاملني بإهمال وجفاء قاتل، ولا يتصل إلا مرة كل أسبوع، أو أسبوعين، اتصالًا جافًّا، مدته دقيقة أو دقيقتان، يسأل عن أحوالنا بسرعة وينهي المكالمة، ويمنعني من الاتصال به؛ مراعاة لمشاعر زوجته، وإن اتصلت، فلا يرد عليّ أصلًا.
ويعامل ابنه ذا السنة والنصف بمنتهى الجفاء، فلم أره يومًا يضاحكه، أو يلاعبه، أو يظهر حبه له حتى لو غاب عنه فترة طويلة، ونادرًا ما يحمله، ويصرخ عليه عندما يخطئ ويوبخه، بينما أراه أمامي يعامل أطفال أقاربه بكل حب، ومودة.
أما بالنسبة لتعامله معي -حتى في الشهور القليلة التي أقضيها معه وقت الإجازات- فلا أجد منه أي حب، أو مودة، أو حتى مجرد اهتمام، وكأنني قطعة أثاث في المنزل، فيأتي لينام، ويأكل، يتصفح جواله، ويخرج بصمت، ولا ينظر إليّ أصلًا، ولا يحادثني إلا لو احتاج شيئًا فقط.
منذ أن تزوجنا منذ ثلاث سنوات، لم أسمع منه أي كلمة حب، أو غزل، ولم يشعرني بأنوثتي أبدًا، رغم أني -ولله الحمد- على قدر من الجمال، والأناقة، والاهتمام بنفسي، وببيتي؛ بشهادة كل من حولي، وذلك يقتلني كثيرًا، وأكاد أن أجن منه، فكل أنثى تحتاج لذلك، وقد عاتبته كثيرًا، لكن لا جدوى، فهو يرى أنه على حق، ولا يفعل ما يغضب الله، وطلبت منه أن يخصص لي جزءًا من يومه؛ ليتصل عليّ ويحادثني، ويعوضني عن هذا البعد، خصوصًا أنه من المفترض شرعًا أن يقسم في المبيت، لكن نظرًا للبعد فلا نستطيع ذلك، لكن لماذا لا يعوضني في وسائل الاتصال على الأقل، أو أن يأتينا مرة أو مرتين في الشهر!؟
تعبت جدًّا من تعامله وهجره، وحرمانه العاطفي لي ولابني، ورغم أني صبورة، وذات عقل وحكمة، لكني فكرت كثيرًا بالانفصال؛ لأن هذا الظلم قهرني، وأبكاني ليل نهار، فأرجو أن أجد عندكم حلًّا، وتوجيهًا لمشكلتي، وأرجو أن توجهوا النصح لكل زوج ظالم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل المولى العلي القدير أن يفرج همك، وينفس كربك، ويصلح ما بينك وبين زوجك، وييسر لك العيش معه في سعادة وهناء.

والدعاء هو أهم ما نوصيك به، فإنه من خير ما يحقق به المسلم ما يريد، وربنا عز وجل كريم، يحب أن يدعى، وأمر بذلك، ووعد بالإجابة؛ فقال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 119608، وهي عن آداب الدعاء.

وقد نص الفقهاء على أنه يجب على الزوج أن يعدل بين زوجتيه، وإن كانتا في بلدين مختلفين، وسبق أن أوردنا كلامهم بهذا الخصوص في الفتوى رقم: 309526.

وقد أحسنت بالتماسك العذر لزوجك، وهذا يدل على كمال عقل وحكمة منك -زادك الله من فضله-.

وكان ينبغي له أن يقابل المعروف بالمعروف، ويعرف الفضل لأهل الفضل؛ فيحسن معاشرتك، وهذا مما أمره به الشرع الحكيم، كما في قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}.

والمعاشرة بالمعروف كلمة جامعة، تشمل كل المعاني الجليلة التي يمكن أن يحققها الزوج لزوجته، ويدخل به السرور عليها، قال الجصاص في معنى هذه الآية: أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر، والنفقة، والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك، وهو نظير قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. اهـ.

وقال السعدي أيضًا تعليقًا على الآية: على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة. اهـ.

ومن الغريب أن يضن عليك بمجرد الاتصال، والتفقد، والمؤانسة عند مجيئه إليكم.

والأدهى والأمر أن لا يجد طفله منه المودة، والحنان، واللعب، والملاطفة.

ووصيتنا لك: مزيدًا من الصبر عليه، والدعاء له بأن يصلح الله حاله، والاستمرار في مناصحته بالحسنى، والتفاهم معه في البحث عن سبيل لاجتماع شملكم معه -عسى الله عز وجل أن ييسر لكم ذلك، ونرجو أن يعين ذلك على حل الإشكال من أساسه-.

وإن رأيت أنك في حاجة للاستعانة عليه في مناصحته ببعض المقربين إليه، ممن يرجى أن يكون قولهم مقبولًا عنده؛ فافعلي، وليذكروه بأنه لا يليق به مثل هذا التصرفات، خاصة أنه رجل متدين، يرجى منه أن يخاف الله، ويراعي حدوده، ويعرف لخلقه حقهم.

وإذا تضررت المرأة من زوجها ضررًا بينًا؛ فإن هذا يسوغ لها طلب الطلاق، ولكن لا ينبغي التسرع لذلك، فالطلاق وإن كان حلًّا في بعض الأحيان، ولكنه قد يكون الأولى عدم الذهاب إليه في أحايين أخر، وخاصة إذا رزق الزوجان الأولاد.

فنرجو عدم العجلة إليه، والتريث في الأمر، والتفكير فيه بروية، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 37112، والفتوى رقم: 385330.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني