الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل في دراسة المواد غير المفيدة في التخصص مضيعة للوقت؟

السؤال

ما حكم دراسة الثانوية العامة، وإكمال الدراسة الجامعية أيضًا، فبعض المواد المقررة في الثانوية، غير نافعة للطالب في التخصص الذي يرغبه؟ فمثلًا أريد الصيدلة، فما حاجتي للفيزياء والرياضيات! فهل آثم؛ لأن في دراسة هذه المواد التي لا تنفعني مضيعة للوقت، وفي الجامعة مواد يجب دراستها، ودفع النقود عليها، مع عدم تعلقها بالتخصص، وغير مفيدة لا للدين، ولا للدنيا؟
ويجب على الطالب نيل الشهادة بحضور المحاضرات، والتقدم للامتحانات لمدة خمس سنوات، ويمنع أقل من خمس، مع قدرته على نيلها في ثلاث، فهل تمنع الدراسة؛ لأن هذا كله مضيعة للوقت؟ علمًا أن ما يدفعني للدراسة هو جني المال دون مشقة وتعب في العمل بصنعة أتعلمها مثلًا، مع صعوبة الحصول على فرصة تعلم صنعة، ووجود مشقة في ذلك، والدراسة أفضل سبب رزق يمكنني أخذه، وأرغب فيه ويريحني، مع أن أبي الذي ينفق عليّ، ويؤمن لي الكماليات أيضًا، وحالته المادية جيدة جدًا، ربما يستطيع أن ينشئ لي عقارًا يدر عليّ دخلًا شهريًّا أكتفي به، وأستطيع الزواج أيضًا، والإنفاق على البيت دون الحاجة للدراسة، فهل يجب علينا ذلك؟ مع العلم أن أبي يعظّم الدراسة، ويلحّ عليّ هو وأمي، ويريد مني نيل شهادة الصيدلة مثلًا، ثم -ربما- يفتح لي صيدلية من ماله، فيقول: أنا أساعدك إذا درست أثناء دراستك، وأمدك بكل ما تريد، وبعد نيل الشهادة كذلك سأساعدك في بناء مستقبلك، وربما يرفض فكرة عدم الدراسة بسبب ديني، أو لسبب آخر دنيوي، خصوصًا أنه بعيد عن الدين، فهو يصلي، ويصوم، ويتلو القرآن، ويتحرى الحلال غالبًا، ولكنه مرتد بناقض الاستهزاء، وغيره، ويفعل المعاصي، وأنا أحاول أن أصلح حالي بالتوبة، والهداية؛ فأنا ضال أيضًا.
وإذا أردت الاستغناء عن أبي، وعن الدراسة؛ فسأجد أعمالًا بسيطة في السوق مردودها قليل، أستطيع العيش به، لكني لن أستطيع الزواج، والاستقلال، أعلم أن الرزق مكتوب، ولكنا نتكلم ونخطط أخذًا بالأسباب.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فدراستك الثانوية، وبعدها الجامعية، واعتناؤك بها، وحرصك على التفوق فيها، مطلوب، وفيه مصالح دينية، ودنيوية كثيرة، وأجور عظيمة، إذا صلحت النية، وحسن القصد. ويكفي أنّ فيه طاعة الوالدين في المعروف، وإدخال السرور عليهما، وليس في هذه الدراسة مضيعة للوقت، ولكنه انتفاع بالوقت في تعلم العلوم المباحة النافعة.

وكونك تقصد من وراء الدراسة كسب المال، وتحصيل مؤنة الزواج، ونحو ذلك من الأغراض الدنيوية، ليس ممنوعًا شرعًا، وراجع الفتوى ذات الرقم: 339457، والفتوى ذات الرقم: 342010.

وكون بعض المواد الدراسية لا تتعلق تعلقًا مباشرًا بالتخصص المطلوب، لا يعني عدم إفادتها، أو كون دراستها مضيعة للوقت؛ فبعض المواد الدراسية تكون مفيدة للتخصص من وجهة بعيدة، تخفى على الطالب في بداية أمره، وبعضها يكون له غرض آخر، كتوسيع المدارك، ورياضة الذهن؛ حتى يكمل فهمه للعلوم، ونحو ذلك من الأغراض الصحيحة التي قد تخفى على بعض الناس.

فاجتهد في دراستك، واصبر، وأحسن قصدك، واستعن بالله، ولا تعجز.

واعلم أنّ قولك عن أبيك: إنه مرتد، قول شنيع فيه مجازفة، فالحكم على المسلم بالردة، ليس بالأمر الهين، فكل من ثبت إسلامه بيقين، لا يزول عنه الإسلام إلا بيقين، ولا يحكم على معين بالكفر إلا بعد تحقق شروط، كالبلوغ، والعقل، وانتفاء موانع، كالإكراه، والجهل، والتأويل، وانظر الفتوى ذات الرقم: 721.

ونخشى أن يكون رميك أباك بالردة بدعوى أنّه يقع في الاستهزاء المكفّر، نخشى أن يكون ذلك ناشئًا عن وسوسة، وأوهام، فاحذر من الوسوسة؛ فإنّ عاقبتها وخيمة، والإعراض عنها خير دواء لها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني