الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مراتب الدعوة قي قوله تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة....

السؤال

ما هو الفرق بين الحكمة، والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد قال الله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل:125}.

فالحكمة هي التعريف بالحق، وهذه المرتبة للمستجيبين الطالبين للحق، والموعظة الحسنة هي قرن الحكمة بالترغيب والترهيب، وهذه المرتبة للغافلين المعرضين، وأما مرتبة الجدال، فهي للمعارضين المعاندين.

قال ابن تيمية: الإنسان له ثلاثة أحوال: إما أن يعرف الحق ويعمل به، وإما أن يعرفه ولا يعمل به، وإما أن يجحده.

فأفضلها أن يعرف الحق ويعمل به. والثاني: أن يعرفه، لكن نفسه تخافه، فلا توافقه على العمل به. والثالث: من لا يعرفه، بل يعارضه.

فصاحب الحال الأول هو الذي يدعى بالحكمة؛ فإن الحكمة هي العلم بالحق والعمل به. فالنوع الأكمل من الناس من يعرف الحق ويعمل به، فيدعون بالحكمة.

والثاني: من يعرف الحق، لكن تخالفه نفسه، فهذا يوعظ الموعظة الحسنة.

فهاتان هما الطريقان: الحكمة والموعظة. وعامة الناس يحتاجون إلى هذا وهذا؛ فإن النفس لها أهواء تدعوها إلى خلاف الحق وإن عرفته، فالناس يحتاجون إلى الموعظة الحسنة وإلى الحكمة، فلا بد من الدعوة بهذا وهذا.

وأما الجدل: فلا يدعى به، بل هو من باب دفع الصائل. فإذا عارض الحق معارض، جودل بالتي هي أحسن؛ ولهذا قال: وجادلهم، فجعله فعلا مأمورا به، مع قوله: ادعهم، فأمره بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وأمره أن يجادل بالتي هي أحسن. وقال في الجدال بالتي هي أحسن، ولم يقل بالحسنة، كما قال في الموعظة؛ لأن الجدال فيه مدافعة ومغاضبة، فيحتاج أن يكون بالتي هي أحسن حتى يصلح ما فيه من الممانعة والمدافعة والموعظة لا تدافع، كما يدافع المجادل. فما دام الرجل قابلا للحكمة أو الموعظة الحسنة، أو لهما جميعا لم يحتج إلى مجادلة. فإذا مانع، جودل بالتي هي أحسن .اهـ. من الرد على المنطقيين.
وقال ابن القيم: والدعوة الى الله بالحكمة للمستجيبين، والموعظة الحسنة للمعرضين الغافلين، والجدال بالتي هي أحسن للمعاندين المعارضين. فهذه حال أتباع المرسلين وورثة النبيين.

وقال أيضا: جعل الله سبحانه مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق. فالمستجيب القابل الذكي الذي لا يعاند الحق ولا يأباه: يدعى بطريق الحكمة. والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر: يدعى بالموعظة الحسنة. وهي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب. والمعاند الجاحد: يجادل بالتي هي أحسن .اهـ. من مفتاح دار السعادة.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني