الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل التيمم رافع للحدث أم مبيح للصلاة؟

السؤال

هل التيمم يرفع الحدث بعذر فقد الماء فقط، أم عند فقده، وكذلك عند عدم القدرة على استعماله، كالمرض مثلًا، وذلك عند الفريق الذي يرى بأن التيمم يرفع الحدث؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأكثر أهل العلم على التيمم لا يرفع الحدث, وإنما هو مبيح للصلاة، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اختلف الفقهاء في أن التيمم هل هو رافع للجنابة، أو غير رافع لها. ومع اختلاف الفقهاء في ذلك إلا أنهم متفقون في الجملة على أن التيمم يباح به ما يباح بالغسل من الجنابة.

فذهب الحنفية، وبعض المالكية، وبعض الشافعية، وابن تيمية، وهو رواية عن أحمد، واختارها ابن الجوزي إلى أن التيمم يرفع الحدث؛ لأنه بدل مطلق عن الماء، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء، فليمسه بشرته، فإن ذلك خير. فقد سمى التيمم وضوءًا، والوضوء مزيل للحدث، وقال صلى الله عليه وسلم: جعلت لي الأرض طهورًا، ومسجدًا. والطهور اسم للمطهر، فدل على أن الحدث يزول بالتيمم، إلا أن زواله مؤقت إلى غاية وجود الماء، فإذا وجد الماء يعود الحدث السابق، ولكن في المستقبل، لا في الماضي، فلم يظهر في حق الصلاة المؤداة؛ ولهذا يجوز التيمم قبل دخول الوقت عند الحنفية.

وقال القرافي: الحدث هو المنع الشرعي من الصلاة، وهذا الحدث الذي هو المنع متعلق بالمكلف، وهو بالتيمم، قد أبيحت له الصلاة إجماعًا، وارتفع المنع إجماعًا؛ لأنه لا منع مع الإباحة، فإنهما ضدان، والضدان لا يجتمعان، وإذا كانت الإباحة ثابتة قطعًا، والمنع مرتفع قطعًا، كان التيمم رافعًا للحدث قطعًا.

والمشهور عند المالكية، والصحيح عند الشافعية، وعند الحنابلة -غير من ذكر- أن التيمم لا يرفع الحدث؛ لأنه بدل ضروري، أو طهارة ضرورة. انتهى.

والذي يفهم من كلام القائلين بكون التيمم يرفع الحدث: أنه لا فرق عندهم بين التيمم لعدم الماء, أو المرض، ففي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: وهكذا القول في كون التيمم يرفع الحدث أو لا يرفعه، فإنه فرع على قول من يقول: إنه يرفع الحدث، فصاحب هذا القول إذا تبين له أنه يرفع الحدث رفعًا مؤقتًا إلى أن يقدر على استعمال الماء، ثم يعود هذا المعنى ليس بممتنع، والشرع قد دل عليه، فجعل التراب طهورًا، والماء يكون طهورًا إذا أزال الحدث. انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: والتراب في التيمم على المذهب لا يرفع الحدث. والصواب أنه يرفع الحدث؛ لقوله تعالى عقب التيمم: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم} [المائدة:6]، ومعنى التطهير: أن الحدث ارتفع، وقوله صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجدًا، وطَهورًا» بالفتح، فيكون التراب مطهرًا. لكن إذا وجد الماء، أو زال السبب الذي من أجله تيمم؛ كالجرح إذا برئ، فإنه يجب عليه أن يتوضأ، أو يغتسل، إن كان تيمم عن جنابة. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني