الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشاورة المرأة في شؤون الحياة الزوجية

السؤال

هل يمكن الزوجة أن تراجع زوجها، أو تعتب عليه في أمر ما باللين، أم إنها تصبح ناشزًا؟ وكيف كانت نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابيات يراجعن أزواجهن، ويتخاصمن معهم؟
والسؤال الثاني: نحن بصدد بناء بيت قرب بيت أهل زوجي، وزوجي يستشيرهم في كل شيء من تفصيل، وديكور، وأنا لا تعجبني آراؤهم؛ لأنهم لا يريدون أن نجهز بأشياء غالية الثمن، رغم أننا في غربة، وكل نقودنا لبناء بيت، فلماذا لا نجهّز بأشياء ثمينة، تظل معنا طويلًا، لا بأشياء رخيصة، تتلف بعد سنوات قليلة!؟ وهل يجوز لزوجي أن يفرض عليّ آراء أهله في بيتي؛ لأن الإسلام يقول: البيت للمرأة، وهي ملكة فيه، ويقول: إن من البر أن يستشير أمه، لكنه بيتي وأذواقنا مختلفة.
ثالثًا: أنا مغتربة مع زوجي، ومحرومة من الأهل، وكل مسؤولية البيت على عاتقي من تدريس للأولاد، وتربيتهم، ولا أرى أحدًا إلا زوجي، وأولادي، فهل يحق لي أن أطلب من زوجي أن يعوضني بشراء قطعة ذهب كل سنة؛ جزاء تعبي، وحرماني من أهلي، وغربتي؟
وهل يحق لي أن أطلب أن ألبس وأتزين مثل صاحباتي، دون إسراف طبعًا، رغم أن زوجي سخي على أهله، ويتصدق، ويهدي، وأنا وأولادي لم يكن يبخل علينا، ولكنه أصبح يحسب علينا، ويقول: لا بدّ أن نوفّر، وينقص علينا الفُسَح؛ بحجة أن المصاريف زائدة، وهو لا يحسب مع والديه والبقية، فهل من حقي أن أغضب منه، وأفهمه بأدب أنه يخطئ حسب رأيي-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنقول في البدء: إنه ينبغي أن يسود بين الزوجين الاحترام المتبادل، والتشاور في شؤون حياتهما الزوجية من منطلق المصلحة، والله تعالى قد أرشد إلى مثل هذا التشاور، ومن ذلك: ما يتعلق بأمر فطام ولدهما، وأن يكون عن تراض منهما، وتشاور بينهما، كما قال في محكم كتابه: فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا {البقرة:233}، قال الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير، بعد أن ذكر هذه الآية وأمثالها: فشرع بهاته الآيات المشاورة في مراتب المصالح كلّها: وهي مصالح العائلة، ومصالح القبيلة، أو البلد، ومصالح الأمَّة. اهـ.

ثانيًا: لا حرج في مراجعة المرأة زوجها في أمور البيت، أو إبدائها رأيها فيما ترى أنه خطأ، على أن يكون ذلك في حدود الأدب، وحفظ مكانته كزوج لها، وقد شاور النبي صلى الله عليه وسلم بعض أهله فيما هو أعظم من أمور الدنيا، وأثاث البيت، شاورها في أمر يتعلق بالدين، والأمة، وأخذ برأيها فيه، وراجعي الفتوى: 132621، وشاور عمر -رضي الله عنه- ابنته حفصة في شأن عظيم يتعلق بالأمة، كما هو مبين في الفتوى: 16607.

ثالثًا: لا بأس بأن يشاور الزوج أمه، أو أي فرد من أفراد عائلته، إن اقتضت المصلحة ذلك، وكانوا ذوي عقل ورأي، ولكن لا يلزمه أن يعمل بما يرونه، فقد تكون المصلحة فيما يراه هو، أو فيما تراه زوجته. وطاعة الوالدين لا تجب بإطلاق، ولكنها مقيدة بما فيه مصلحة لهما، ولا مضرة على الولد، كما سبق أن أوضحنا في الفتوى: 76303.

رابعًا: لا حرج عليك في أن تسألي زوجك أن يتحفك بشيء من الذهب، أو غيره، وينبغي له أن يفعل، فإن ذلك يطيّب الخاطر، وتكتسب به المودة، وتحسن العشرة، فقد ثبت في الحديث الذي رواه البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تهادوا تحابوا.

ويتأكد مثل هذا في حق الزوجين، وكما أنه يكرم أهله، فليكرم زوجته. ولكن ننبه إلى أن هذا ليس بلازم على الزوج.

وينبغي للزوج أن يوسّع على زوجته وولده ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، فإن لم يفعل، فلتتلطف زوجته معه، فلعله يستجيب، ولو بعد حين.

وأما الغضب والعصبية، فقد يحدث بهما عكس المقصود.

خامسًا: أضاف الشرع البيت للمرأة، فقال تعالى: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ {الطلاق:1}، ولكن قال العلماء: إنها إضافة سكنى، لا إضافة تمليك، وهي لها حق السكنى.

وكونها ملكة فيه على معنى الإكرام، وقيامها على شؤونه، أمر صحيح، ولا يعني ذلك أنه ملك لها، ونحو ذلك، ولكن تشاور في أمره -كما أسلفنا-.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني