الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اغتسال من سب الدين إذا رجع للإسلام عند المالكية

السؤال

سبّ الملة على مذهب المالكية، يوجب الغسل. وقد أغضبني صديقي؛ فتلفظت بسب الملة لشتمه، فاغتسلت بعد ذلك، وفي اليوم التالي سألتني أمي عن عدم صلاتي، فقلت لها: أغضبني صديقي، فقلت له كذا، وتلفظت بسب الملة؛ للتوضيح لها، فهل يجب تجديد الغسل، على مذهب المالكية؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

ففي البداية: ننبهك على خطورة ما أقدمتَ عليه, فإنه أمر شنيع, ويجب أن تبادر بالتوبة إلى الله تعالى, وألا تعود لمثل هذا المنكر الشنيع.

ثم إن سبّ ملة الإسلام، كفر عند المالكية, وغيرهم، بل هو محل اتفاق، قال الشيخ محمد عليش المالكي في فتح العلي المالك: يؤخذ من هذا الحكم فيمن سب الدين، أو الملة، أو المذهب، وهو يقع كثيرًا من بعض سفلة العوام، كالحمارة، والجمالة، والخدامين، وربما وقع من غيرهم، وذلك أنه إن قصد الشريعة المطهرة، والأحكام التي شرعها الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فهو كافر قطعًا، ثم إن أظهر ذلك، فهو مرتد، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. وإن لم يظهره، فهو زنديق، يقتل ولو تاب. انتهى.

وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن من سب ملة الإسلام، أو دين المسلمين، يكون كافرًا. انتهى.

أما الغسل بالنسبة للمرتدّ إذا رجع للإسلام, فإنه محل خلاف عند المالكية, فمنهم من يرجح وجوبه، قال الدردير المالكي في الشرح الكبير: (ويجب غسل كافر) ذكر أو أنثى، أصلي أو مرتد، بعد إسلامه على الأرجح. انتهى. وقال الدسوقي المالكي في حاشيته: (قوله: على الأرجح) أي: من أن الردة تبطل الغسل. انتهى.

ومنهم من يرجح عدم وجوبه، جاء في شرح الخرشي لمختصر خليل: وَاقْتِصَارُهُ (يعني صاحب المتن) عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ، يَقْتَضِي أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُبْطِلُهُ. وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، كَمَا ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ فِي فَصْلِ الْوُضُوءِ. اهـ.

وبخصوص ما قلتَه لأمّك, فإنك لا تقصد به الردة, بل هو من باب الإخبار عما تلفظتَ به، ومن ثم؛ فإنك لم تقع في الكفر, وعلى هذا؛ فلا يجب عليك غسل.

ومسألةُ حاكي الكفر, وهو لا يعتقده، لم نقف فيها على كلام للمالكية, لكن لعلها محل إجماع، كما قال بعض أهل العلم، جاء في كشاف القناع لابن مفلح: و (لا) يكفر (من حكى كفرًا سمعه، و) هو (لا يعتقده) قال في الفروع: ولعل هذا إجماع. انتهى.

وبخصوص قولك: (سألتني أمّي عن عدم صلاتي)، فإذا كنت قد تركت بعض الفرائض حتى خرج وقتها, فهذا منكر شنيع. فإن تعمد تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها دون عذر شرعي، كبيرة من كبائر الذنوب, وقيل: كفر مخرج عن الملة, وانظر الفتوى: 162523، بل من العلماء من يرى كفر من تعمد ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها، كما تراه في الفتوى: 346180.

فيجب عليك قضاء ما تركته من الصلوات، مع المحافظة عليها مستقبلًا, وعدم تضييعها. وراجع في خطر التفريط في الصلاة، الفتوى: 355606.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني