الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أضواء على طريق استقرار الحياة الزوجية

السؤال

عندي بعض الأسئلة، وأرجو منكم أن تجيبوني.
1- هل لا يحق للزوجة أن تراجع زوجها، بدعوى أنها لا تفهم شيئا، ولا يجوز أن تفكر أنها يمكن أن تنصحه في أمر تراه هي ظلما، وقع عليها من زوجها؟ وهل يشترط لأكون زوجة صالحة، أن أرضى بما أراه ظلما أو تقصيرا في حقوقي، أو إكرامي كزوجة.
2- زوجي يعظم بر أمه والحمد لله، لكن لا يرضيني بطريقة الحديث عنها، حيث يعتمد أن يتحدث عنها بانتظام، وأنها قبلي وقبل أولادي، وأنها أغلى شيء في حياته، وكل شيء يفتديه لأجلها. وقلت له إنه عندما يكثر من الحديث عنها بهذه الطريقة، أتأذى وأحس بالغيرة، وكأني لا شيء. ووصل الأمر إلى أن يغني عنها بدون داعي: أمي الحبيبة، أمي الحنونة. فما رأيكم؟
3- أنا أعيش في الخارج، وبيتي بجانب بيت أهل زوجي، ونحن نكمل إتمام بناء البيت؛ لأنه ناقص. زوجي يأخذ رأي أهله قبل رأيي، ويتفاعل مع كلامهم، وآرائهم وأنا لا أحب ذلك. أليس هذا البيت بيتي، وأنا أحق بإبداء الرأي فيه، ومن الإحسان أن يكرمني ويدللني في أي شيء يستطيع أن يقوم به في بيتي؟
4- بحكم عيشنا في الخارج، نضع مفتاح البيت عند أهلي وعند أهله، لكن زوجي فرض علي ألا أغلق غرفة النوم الخاصة بي؛ لأنه يرى أن من غير من المسموح في شأن أمه، أن تأتي للبيت وتجد الغرفة الوحيدة مغلقة، وعندما قلت له: حرام، ملابسي الخاصة وأغراضي، وذكرت له أنني والله صادقة، أشاهد أمه تفتش في أغراض بيتي أكثر من مرة، وأنها نبهت على عدم الدخول إلى غرفتها إلا بإذنها، قال لي: خذي ملابسك إلى بيت أهلك وأرجعيها عند العودة، فغضبت، وما كان منه إلا أن يقول لي: أمي قبلك في هذا البيت.
هل هذا يجوز؟
5- زوجي يكرم أهله، ويعطيهم من المال، ويتصدق ويهدي لغيرهم، وعندما أطلب شيئا يحسبه، ويقول لي: عندك من الملابس القديمة البسيها، ولا تكلميني بسبب أننا نكون أنفسنا ونحتاج للمال، أقول له: من حقي أن ألبس وأعيش مثل قريناتي، لا زلت صغيرة، وأريد التزين. يقول لي: حرام أن تقولي: أريد أن أعيش، ولا أريد أن ينقصني أمر. وهو عنده -والله- وأنا لم أطلب الكثير، أريد مبلغا بسيطا:300 ريال. وأصبح يحسب على أولادي الفسحة والعشاء الذي نشتريه في الفسحة، ويقلل من عدد الفسح أسبوعيا، وأنا وأولادي في غربة لا أرى أحدا، والفسحة -والله شاهد علي- تجدد طاقتي، وأرى الناس وأفرح لفرح أولادي.
أليس عيبا أن أحرم من أهلي، ومن العطاء من أجله ومن أجل الأسرة، وهو يحسب علينا المال الذي يصرفه في الفسحة.
أرجوك نصيحة لي وله، بما جاء من القرآن والسنة عن حسن العشرة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فعقد الزوجية لأهميته سماه الله تعالى بالميثاق الغليظ؛ كما في قوله تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {النساء:21}، وهذا مما لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان. هذا أولا.

ثانيا: من حق المرأة أن تراجع زوجها في أي أمر من الأمور، أو تناصحه في حدود أدب الشرع، أو أن تطالب بحقها، فلا تعاب على ذلك، ولا ينقص من قدرها بسببه، أو يدعى عليها عدم الفهم ونحو ذلك، فهذا يتنافى مع حسن العشرة.

ثالثا: لا شك في عظم مقام الأم، وأن على ولدها برها، والاهتمام بأمرها، والإحسان إليها، فيؤدي إليها حقها، ويؤدي في الوقت ذاته حق أهله وولده، فيعطي كل ذي حق حقه. وراجعي الفتوى: 57441.

ولا داعي لأن يكثر الزوج من ذكر مثل هذا الكلام عن أمه عند زوجته، إن كان ذلك يستفز مشاعرها ويؤذيها، وفي المقابل نرجو أن لا تأخذ الزوجة هذا الأمر بشيء من الحساسية، فتستشعر أن في هذا إهانة لها ونحو ذلك، بل الأولى أن تهون الأمر على نفسها قدر الإمكان.

رابعا: لا بأس بأن يشاور الزوج أمه أو أيا من أفراد عائلته إن اقتضت المصلحة ذلك، وكانوا ذوي عقل ورأي، وينبغي أن يشاور زوجته أيضا، ولكن لا يلزمه أن يعمل بما يرى أي واحد منهم، فقد تكون المصلحة فيما يراه هو، أو فيما تراه زوجته، أو فيما يراه أهله، فيعمل بما تقتضيه المصلحة حيث كان البيت بيته هو. وإضافة الشرع البيت للزوجة، إضافة سكنى، وليست إضافة تمليك؛ كما في قوله تعالى: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ {الطلاق:1}.

قال القرطبي: وهذا معنى إضافة البيوت إليهن، كقوله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ، وقوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، فهو إضافة إسكان، وليس إضافة تمليك. اهـ.

خامسا: ليس لأم الزوج أن تنتهك خصوصية زوجة ابنها، وتطلع على ما في غرفة نومها من أغراضها إلا بإذنها. ولا يجوز للزوج أن يسمح لأمه أن تفعل ذلك، وليس من بره بها إقرارها على فعل ما فيه ظلم لزوجته.

ونوصي في مثل هذا بالتفاهم بين الزوجين، وتحري الحكمة، بحيث تتقى المشاكل وأسبابها، وما يمكن أن يؤدي إلى الخصومة بينهما. ولعل من الحكمة في هذه الحالة العمل بما أشار إليه الزوج من وضع الزوجة أغراضها عند أهلها إن أمكن ذلك.

سادسا: من حق الرجل أن يساعد أهله، أو أن يكرمهم يبر بذلك والديه، أو يصل رحمه، ولكن عليه أن يقوم في الوقت ذاته بما يجب عليه تجاه زوجته وولده، وأن يوسع عليهم ما وسع الله عليه، فيتحفهم بالهدايا بطيب المطعم والملبس والمشرب ليدخل السرور عليهم، وذلك مما قد يفتح الله عليه بسببه في أبواب الرزق.

وإذا كان الزوج ميسور الحال، فمن العيب أن يبخل على زوجته وولده بشيء من المال، ويستكثر فيهم القليل. وفي المقابل إن كان الزوج قائما بما يجب، وتعلق الأمر بالتوسعة، فالكلام الطيب والأسلوب الحسن، هو الذي يمكن للزوجة أن تستخلص به من زوجها ما تريد، لا بالإلحاح ونحوه.

وننبه هنا إلى أن نفقة الزوجة تكون بقدر الكفاية، وتراعى فيها حال الزوجة، وحاجة مثلها، ويسار الزوج من عدمه، وتراجع الفتوى: 260233.

سابعا: من المطلوب شرعا من كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف، ويعرف حقه عليه، ويؤدي إليه هذا الحق على أكمل وجه، قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}، ولمعرفة الحقوق بين الزوجين، يمكن مطالعة الفتوى: 27662.

ويجني الزوجان ثمرة ذلك سعادة، واستقرارا في الحياة الزوجية، وهذا من أهم مقاصد الشرع، كما قال الله سبحانه: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني