الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يُرخص التيمم من الجنابة لمن يؤلمه استعمال الماء؟

السؤال

أنا شاب عمري 18 سنة، منذ شهور وأنا في صراع نفسي. أنا مؤمن جدا بالله، وليس عندي أي شك نهائي. أنا غير مواظب على الصلاة، وأمارس العادة السرية يوميا، وأحاول كثيرا أن أتوقف.
كنت قد تبت منذ سنتين توبة نصوحا، وواظبت على جميع الصلوات عدا صلاة الفجر، التي حاولت أن أصليها وكان ذلك صعبا علي، فبالتالي بعد فترة لم أعد أصلي.
منذ عدة شهور عندما بدأت أحدث نفسي عن التوبة مجدداً، علمت أن الصلاة على الجنابة حرام، وعقابها شديد جدا. وذلك يصعب علي الأمر، فانا مصاب بمرض نادر في الدم لا علاج له، اسمه: الحكة مائية المنشأ، وهو مرتبط بمرض سرطاني يسمى كثرة الحمر الحقيقية، وذلك يسبب الحكة في الجلد بعد الاستحمام، ويستمر من ربع ساعة إلى ساعة، ويكون مؤلما جدا، لدرجة أنني ذات مرة اغتسلت مباشرة قبل صلاة الجمعة، وأنا أصليها كنت أتعذب حرفيا؛ لعدم مقدرتي على حك الأماكن التي تؤلمني.
خلال هذه الشهور وأنا كل يوم أريد أن أتوب ولا أستطيع؛ لأني أحتاج لأن أغتسل من الجنابة، وأنا أغتسل مرة في الأسبوع لتجنب الألم.
ومنذ أسبوعين بعد أن اغتسلت عزمت على التوبة، وصليت، وقلت أتجنب العادة بأي شكل من الأشكال، ولكن بعد أن صليت ودعوت كثيرا. كنت في حالة من الجنون، كنت أخاف أن لا يقبل الله توبتي؛ لأني لم أصلِّ منذ سنوات عديدة، وتذكري لذنوب أخرى قد ارتكبتها، وحاولت طمأنة نفسي كثيرا ولم أستطع؛ فأنا أخاف جدا من عقاب الله عز وجل. ومن كثرة خوفي واستحواذ وقت المحاضرات على مواعيد صلاة الجماعة، وعودتي للعادة السرية، لم أعد أصلي مجددا، وعدت لنفس حالة الندم، وكل يوم قبل النوم أبكي، ولا أستطيع أن أغتسل من الجنابة، إذا أردت أن أبادر وأصلي مجددا بسبب الألم الذي يلي ذلك.
عذرا على الإطالة؛ فقد أردت أن أخرج كل ما بداخلي.
وأرجو منكم نصيحتي بالفعل الأمثل لحالتي هذه.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى فورا، وأن تحافظ على صلاتك؛ فإن ترك الصلاة من أكبر الموبقات، وأعظم المنكرات، وانظر الفتوى: 130853.

وعليك أن تجاهد نفسك مجاهدة صادقة، لتتوب من الاستمناء المحرم، وكلما عدت وأذنبت فتب مجددا، واصحب الصالحين واجتهد في الدعاء، وابتعد عن أسباب الفتن وإثارة الشهوة. ثم إذا أجنبت وكان الغسل يحدث معه الألم المذكور، فلك رخصة عند بعض العلماء في التيمم.

قال الشيخ عليش في منح الجليل: (يَتَيَمَّمُ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا، وُجُوبًا إنْ خَافَ هَلَاكًا، أَوْ شِدَّةَ أَذَى بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، أَوْ لَمْ يَجِدْهُ. وَجَوَازًا إنْ خَافَ مَرَضًا خَفِيفًا بِهِ، وَفَاعِلُ تَيَمَّمَ (ذُو) أَيْ صَاحِبُ (مَرَضٍ) عَاجِزٍ عَن اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِسَبَبِهِ، أَوْ لِعَدَمِهِ كَمَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَصَحِيحٍ خَافَ حُدُوثَهُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ. انتهى.

وكثير من أهل العلم لا يرون مشروعية التيمم في مثل هذا المرض؛ لكونه لا يخاف معه تلف عضو، أو شين فاحش فيه، وهذا هو ضابط المرض المبيح للتيمم عندهم.

قال النووي في المنهاج في الأسباب المبيحة للتيمم: الثالث: مرض يخاف معه من استعماله على منفعة عضو، وَكَذَا بُطْءُ الْبُرْءِ، أَوْ الشَّيْنُ الْفَاحِشُ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ فِي الْأَظْهَرِ. انتهى.

والذي ننصحك به هو أن تتوب إلى الله تلافيا لهذا الإشكال، فالأمر بحمد الله يسير، وإذا قدر وأجنبت لسبب أو لآخر، فجاهد نفسك على الاغتسال.

فإن كنت لا تحتمل الضرر الحاصل لك من الاغتسال، أو كان يشق عليك مشقة بالغة، فنرجو أن يسعك قول من يبيح لك التيمم والحال هذه، ولكن لا تترك الصلاة بحال؛ فإن تركها من أكبر الآثام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني