الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النفرة من الزوج بسبب عدم الاهتمام بالمظهر وتخيل رجل آخر

السؤال

عمري 23 سنة، ومتزوجة منذ سبع سنوات، وزوجي بار جدًّا بوالديه، وخدوم جدًّا لي، ولأهلي، وطيب القلب، ولا يرفض لي طلبًا.
المشكلة هي أني أحاول أن أصلحه، وأريده أن يصلي في المسجد كل فرض، لكنه لا زال حتى الآن يقول: إنه سيصلي، وهو يخرج في السيارة حتى تنتهي الصلاة ويرجع، فأنصحه، وأحاول أن أفهمه أنك ما خلقت إلا لتعبد ربك، وأن أول شيء تحاسب عليه الصلاة، إلى غير ذلك، فيقول: ذهبت وصليت، وليس عندي دليل أنه دخل المسجد، لكني أعرف أنه يكذب عليّ، ولا حياة لمن تنادي.
والمشكلة الثانية: أنه يأكل القات، ويجلس الليل كله عليه حتى يصبح، وينام دون صلاة، ولا يغتسل، ولا ينظف أسنانه، ولا يهتم بمظهر أسنانه؛ حتى اسودّت، وأصبحت أنفر منه، وأتحمل هذا كله على أمل أن يغير ربي الحال، وواللهِ إني أدعو له، وأحاول، وكل محاولاتي فشلت، واعتمرنا في رمضان الفائت، وفرحت جدًّا أننا اعتمرنا، ودعوت له، ولا زلت أدعو له، وكنت أتمنى وأحلم أن أتزوج رجلًا متدينًا، لا يترك فرضًا، وإلى الآن وأنا أفكر، وأعرف أن هذا التفكير حرام، لكني أتخيل لو أني متزوجة برجل نظيف، أسنانه بيضاء، وبشوش، ومتدين، لكان كذا.
كنت أتمنى شخصًا أشعر معه بالسلام، والرضا دينيًّا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرًا على شفقتك على زوجك، وحرصك على هدايته، ورؤيته مترقيًّا في درجات الكمال في الاستقامة -نسأل الله تعالى أن يحقق ذلك، ويصلح لك زوجك، وهو سبحانه على كل شيء قدير-.

وعليك بالاستمرار في الدعاء، فبه يتحقق الرجاء، بإذن رب الأرض والسماء، وقد ورد إلينا منك سؤال قريب من هذا السؤال، وقد أجبناك عنه في الفتوى: 393055، ونضيف هنا ما يلي:

أولًا: إذا ادعى زوجك أنه ذهب إلى المسجد، فالأصل صدقه، وسلامته من الكذب، فلا يجوز لك إساءة الظن به، قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12}، وصلاة الجماعة قد اختلف العلماء في حكمها، والأكثرون على عدم وجوبها، ومن أهل العلم من ذهب إلى وجوبها، وهو الذي نرجحه.

وعلى كل؛ فإننا نرجو الاستمرار في نصحه، مع الصبر عليه، والتلطف به؛ فذلك أدعى للتأثير عليه، فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة، إن الله رفيق، يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه.

وإن لم تكن عندك بينة على أنه لم يصلِّ في المسجد، فالأصل أنه مصدق في ذلك، فلا تتكلفي البحث عن مدى صدقه فيما قال من عدمه، فإن هذا قد تكون له نتائجه العكسية، وقد يحدث فيه عنادًا، ونحو ذلك.

ثانيًا: سبق الكلام فيما يتعلق بالقات في جواب سؤالك السابق.

وأما الاهتمام بالمظهر، ونظافة الأسنان، والاستحمام، فناصحيه فيها أيضًا بالحسنى، وبيني له أن ذلك من الفطرة، هذا بالإضافة إلى أن من حقك -بصفتك زوجة له- أن يتزين لك، كما تتزينين له، جاء في الأثر عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: إني لأتزين لامرأتي، كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله تعالى يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}.

قال القرطبي: والمقصود أن يكون عند امرأته في زينة تسرها، وتعفها عن غيره من الرجال. اهـ.

وما ذكرت من نفرتك منه: إن قصدت به منعك إياه حقه في الفراش؛ بسبب تأذيك بالرائحة، وكان الأذى شديدًا، فلا إثم عليك في امتناعك عنه، جاء في الفتاوى الفقهية الكبرى للهيتمي، وقد سُئِلَ عَمَّا إذَا امْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ من تَمْكِينِ الزَّوْجِ؛ لِتَشَعُّثِهِ، وَكَثْرَةِ أَوْسَاخِهِ، هل تَكُونُ نَاشِزَةً؟

فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَا تَكُونُ نَاشِزَةٌ بِذَلِكَ، وَمِثْلُهُ كُلُّ ما تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ على إزَالَتِهِ؛ أَخْذًا مِمَّا في الْبَيَانِ عن النَّصِّ: أَنَّ كُلَّ ما يَتَأَذَّى بِهِ الْإِنْسَانُ، يَجِبُ على الزَّوْجِ إزَالَتُهُ. اهـ.

ثالثًا: لا بأس بأن تتخيلي لو أن زوجك هذا رجل نظيف، أو لو أنك متزوجة من رجل نظيف، ولكن لو كان التخيل في رجل معين، فربما كان ذلك ذريعة للفتنة به، وقد جاء الإسلام بسد الذرائع إلى الفتنة؛ ولهذا جاء في الحديث أن تمني القلب من وسائل الزنى، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدرك ذلك لا محالة: فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: معنى الحديث: أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنى، فمنهم من يكون زناه حقيقيًّا: بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازًا: بالنظر الحرام، أو الاستماع إلى الزنى، وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد: بأن يمس أجنبية بيده، أو يقبلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنى، أو النظر، أو اللمس، أو الحديث الحرام مع أجنبية، ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب، فكل هذا أنواع من الزنى المجازي... اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني