الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القوة العملية وطرق اكتسابها

السؤال

القوة العملية التي تكلم عنها ابن القيم، تكلم عنها باستفاضة، وكيف يكتسبها الإنسان، وكل شيء عنها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنشكر لك تواصلك معنا، لكن قبل الجواب نذكرك بأنك تكثر من هذا الضرب من الأسئلة البحثية المقالية التي ليست من مجال الفتوى.

وعلى كل: فحسبنا هنا أن ننقل لك شيئا مما بينه ابن القيم نفسه عن القوة العملية.

قال: للإنسان قوتان قوة علمية نظرية، وقوة عملية إرادية، وسعادته التامة موقوفة على استكمال قوتيه العلمية والإرادية، واستكمال القوة العلمية إنما يكون بمعرفة فاطره وبارئه، ومعرفة أسمائه وصفاته، ومعرفة الطريق التي توصل إليه، ومعرفة آفاتها، ومعرفة نفسه، ومعرفة عيوبها. فبهذه المعارف الخمسة يحصل كمال قوته العلمية، وأعلم الناس أعرفهم بها، وأفقههم فيها.

واستكمال القوة العملية الإرادية لا تحصل إلا بمراعاة حقوقه سبحانه على العبد، والقيام بها إخلاصا وصدقا ونصحا وإحسانا ومتابعة وشهودا لمنته عليه، وتقصيره هو في أداء حقه، فهو مستحي من مواجهته بتلك الخدمة لعلمه أنها دون ما يستحقه عليه، ودون دون ذلك، وأنه لا سبيل له إلى استكمال هاتين القوتين إلا بمعونته، فهو مضطر إلى أن يهديه الصراط المستقيم الذي هدى إليه أولياءه وخاصته، وأن يجنبه الخروج عن ذلك الصراط إما بفساد في قوته العلمية فيقع في الضلال، وإما في قوته العملية فيوجب له الغضب. اهـ.

وقال أيضا: قوله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} قال الشافعي -رضي الله عنه-: لو فكر الناس كلهم في هذه السورة لكفتهم.

وبيان ذلك أن المراتب أربعة، وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله. إحداها: معرفة الحق. الثانية: عمله به. الثالثة: تعليمه من لا يحسنه. الرابعة: صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه.

فذكر تعالى المراتب الاربعة في هذه السورة، وأقسم سبحانه في هذه السورة بالعصر أن كل أحد في خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهم الذين عرفوا الحق، وصدقوا به، فهذه مرتبة.

وعملوا الصالحات، وهم الذين عملوا بما علموه من الحق، فهذه مرتبة أخرى.

وتواصوا بالحق، وصى به بعضهم بعضا تعليما وارشادا، فهذه مرتبة ثالثة.

وتواصوا بالصبر، صبروا على الحق ووصى بعضهم بعضا بالصبر عليه والثبات، فهذه مرتبة رابعة.

وهذا نهاية الكمال، فإن الكمال أن يكون الشخص كاملا في نفسه مكملا لغيره، وكماله بإصلاح قوتيه العلمية والعملية، فصلاح القوة العلمية بالإيمان، وصلاح القوة العملية بعمل الصالحات، وتكميله غيره بتعليمه إياه، وصبره عليه، وتوصيته بالصبر على العلم والعمل. فهذه السورة على اختصارها هي من أجمع سور القرآن للخير بحذافيره. اهـ. من مفتاح دار السعادة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني