الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من قال (اشفني يا الله لأتصدق)(إن شفاني الله تصدقت)

السؤال

هل هذه من صيغ النذر؟ قلت على سبيل الدعاء (اشفني يا الله لأتصدق)، وقلت وليس على سبيل الدعاء (إن شفاني الله تصدقت). هل هذه صيغ نذر؟ ومتى أعرف أن عبارة ما مشعرة للالتزام؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأما هذه الصيغة: (اشفني لأتصدق): فلم نقف على كلام للعلماء في خصوصها، وهي محتملة للالتزام وعدمه.

وأما : (إن شفاني الله تصدقت) فقد نص جمع من الفقهاء على انعقاد النذر بمثلها، لأن فيها إلزاما، ولدلالة الحال على إرادة النذر.

جاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: (قوله: كلله علي أو علي ضحية) أتى بكاف التمثيل إشارة إلى عدم انحصار الصيغة في لله علي أو علي كذا، فيلزم بكل لفظ فيه إلزام مثل إن شفى الله مريضي، أو قدم غائبي، أو نجوت من أمر كذا وكذا فأنا أصوم يومين أو أصلي كذا أو أتصدق بكذا قاله طفى قال: ونبهت على ذلك؛ لأن بعض القاصرين توهم أن النذر لا يكون إلا بقوله لله علي أو علي كذا اغترار منه بظاهر المصنف . اهـ.

وفي كشاف القناع: (نذر التبرر) أي التقرب (كنذر الصلاة والصيام والصدقة على وجه التقرب سواء نذره مطلقا أو معلقا) بشرط لا يقصد به المنع والحمل (كقوله: إن شفى الله مريضي أو سلم مالي أو طلعت الشمس فلله علي كذا أو فعلت كذا نحو تصدقت بكذا، ونص عليه) أحمد (في إن قدم فلان تصدقت بكذا فهذا نذر) صحيح (وإن لم يصرح بذكر النذر لأن دلالة الحال تدل على إرادة النذر، فمتى وجد شرطه) إذا كان النذر معلقا (انعقد نذره ولزمه فعله) لقوله - صلى الله عليه وسلم - «من نذر أن يطيع الله فليطعه» رواه البخاري وذم الله تعالى الذين ينذرون ولا يوفون. وقال تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن} [التوبة: 75]. اهـ.

وقد سئل ابن عثيمين: أصبت بمرض وقلت إن شفاني ربي من هذا المرض صليت ركعتين عند الكعبة، والحمد لله شفيت ولم أتمكن من السفر لعوائق فما الحكم؟ وهل هذا من النذر؟

فأجاب: نعم هذا من النذر، لأن النذر أن يلتزم الإنسان لربه طاعة، وصيغته ليست صيغة معينة لا ينعقد بدونها؛ بل كل ما دل على الالتزام فهو نذر، وعلى هذا الناذر الذي مَنَّ الله عليه بالشفاء أن يفي لله تعالى بما عاهد الله عليه فيذهب إلى مكة ويصل ركعتين عند الكعبة؛ لقول النبي صلى الله وعليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) .اهـ. من فتاوى نور على الدرب.

ومن الفقهاء من جعل هذه الصيغة من باب الوعد لا النذر، إلا إن نوى به الالتزام.

قال الهيتمي في تحفة المحتاج: وخرج بيلتزم -في قول الماتن: (ونذر تبرر بأن يلتزم قربة إن حدثت نعمة أو ذهبت نقمة)- نحو إن شفي مريضي عمرت دار فلان أو مسجد كذا فهو لغو؛ لأنه وعد لا التزام فيه، وبه يرد على من نظر في ذلك، نعم إن نوى به الالتزام لم يبعد انعقاده. اهـ.

وقال الرملي في نهاية المحتاج: وخرج نحو: إن شفى الله مريضي عمرت مسجد كذا أو دار زيد فيكون لغوا لأنه وعد عار عن الالتزام، نعم إن نوى به الالتزام لم يبعد انعقاده. اهـ.

قال الشبراملسي في حاشيته: (قوله: عمرت مسجد كذا) خرج به ما لو قال فعلي عمارة مسجد كذا فتلزمه عمارته. اهـ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني