الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استرداد الصدقة إذا ظهر أن المُتَصَدَّقَ عليه ليس أهلًا لها

السؤال

قمت بإعطاء متسولة مبلغًا من المال، وتبين أنها كاذبة، ونصابة بعد سؤالي عنها في المحيط الذي كنت فيه، فقررت ابنتي إعادة النقود، لكن بأسلوب ملتوٍ بأن توهمها بأنها ستعطيها مبلغًا أكبر، على أن تعيد ما أخذت، وبالفعل أظهرت ابنتي النقود، وصدقت المتسولة، وأعطت ابنتي النقود التي أعطيتها إياها، فما حكم ما فعلته ابنتي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فاعلمي أولًا: أن الصدقة إذا وقعت في يد غير مستحق لها، فإن الله تعالى بفضله، يكتب ثوابها للمتصدق ــ حتى لو كانت صدقة واجبة، وتبرأ ذمته، عند بعض الفقهاء ــ؛ لما في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ؟ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ، وَعَلَى زَانِيَةٍ، وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ، فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الغَنِيُّ، فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ، فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ.

وأما هل يجوز الرجوع في الصدقة، فالأصل عدم جواز الرجوع في الصدقة، كما قال ابن قدامة في المغني: وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَصَدِّقِ الرُّجُوعُ فِي صَدَقَتِهِ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. اهــ.

وهذا إن كانت صدقة تطوع، وليس واجبة، كالزكاة، فإنه ليس للمتصدق أن يرجع فيها، إذا ظهر أن المُتَصَدَّقَ عليه ليس أهلًا لها.

وإن كانت صدقة واجبة، كالزكاة:

فعلى القول بأن ذمته لم تبرأ، فله الرجوع، ويأخذها منه، جاء في كشاف القناع: وَلَوْ دَفَعَ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ إلَى غَنِيٍّ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ غِنَاهُ، لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّوَابُ، وَلَمْ يَفُتْ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ إذَا دَفَعَهَا لِكَافِرٍ، وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إبْرَاءُ الذِّمَّةِ بِالزَّكَاةِ، وَلَمْ يَحْصُلْ، فَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ. اهــ.

وبهذا التفصيل تعلمين حكم ما فعلته ابنتك مع تلك المتسولة: فإن كانت الصدقة تطوعًا؛ لم يجز الرجوع فيها، وإن كانت فريضة، كزكاة، فلا حرج في استردادها منها.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني