الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عقيدة أهل السنة والجماعة في مصير فساق المسلمين

السؤال

أريد الدليل من القرآن الكريم على أن جميع المسلمين سوف يدخلون الجنة مهما عملوا من المعاصي ما داموا ماتوا موحدين مسلمين؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن أصحاب المعاصي من المسلمين إذا مات الواحد منهم على المعصية فهو تحت مشيئة الله تعالى يوم القيامة، فإن شاء عذبه على ذنوبه ثم أدخله الجنة، وإن شاء عفا عنه، ولا يخلد أحد منهم في النار، قال الطحاوي في النبذة التي ألفها في بيان عقيدة السلف: وأهل الكبائر في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ومذهب أهل السنة والجماعة أن فساق أهل الملة ليسوا مخلدين في النار، كما قالت الخوارج والمعتزلة، وليسوا كاملين في الدين والإيمان والطاعات، بل لهم حسنات وسيئات، يستحقون بهذا العقاب وبهذا الثواب. انتهى.

ومن الأدلة التي استند إليها أهل السنة في إثبات هذه العقيدة جملة من نصوص الكتاب والسنة، نذكر منها ما يلي:

أولاً: قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

قال السفاريني في لوامع الأنوار: فالتوحيد من أعظم بل أعظم أسباب المغفرة، فهو السبب الأعظم، فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به أتى بأعظم أسباب المغفرة، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]. انتهى.

ثانياً: قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:178].

ووجه استدلالهم بهذه الآية هو أن الآية أثبتت أخوة الإيمان مع حدوث هذا الذنب العظيم ألا وهو القتل، فدل ذلك على أن مثل هذه الكبائر لا تخرج صاحبها من دائرة الإيمان، فإذا مات على هذا الذنب ولم يغفر له، لم يستحق بسببه الخلود في نار جهنم، ومن هذا الباب استدلالهم بقوله سبحانه: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات:9]، فقد ذكر عقبها قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10]، فأثبت الأخوة الإيمانية مع وقوع القتال بينهم.

ثالثاً: من أدلة السنة وهو حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه بشأن البيعة، وفيه قوله عليه الصلاة والسلام: ...فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه. رواه البخاري ومسلم.

رابعاً: ومن أدلة السنة أيضاً ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قبله مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها.

إلى غير ذلك من أدلة تمكن مراجعتها في كتابي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي، ولوامع الأنوار للسفاريني، وغيرهما من كتب العقيدة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني