الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إعطاء الزكاة للزوجة لسداد دينها

السؤال

يقول الإمام مبارك بن علي بن حمد التميمي في كتابه التسهيل وهو يتكلم عن مصارف الزكاة: وسادسها غارم وهو المدين يوفى دينه منها و لو مات على الأصح... و يشترط في الدين أن يكون مما شأنه أن يحبس فيه، فيدخل دين الولد على والده فتدفع الزكاة للوالد ليقضي بها دين ابنه و يدخل أيضا الدين على المعدم فإن شأن كل منهما الحبس فيه، وعرض عن الحبس عارض الأبوة وعارض العدم ويخرج به دين الكفارات والزكاة لأنه لا يحبس فيهما، ما معنى هذا القول بالتفصيل رجاء، هل يجوز إعطاء الزكاة أيا كان نوعها للزوجة لقضاء دينها وإن كانت تعمل لكن دخلها ضعيف؟ أرجو التفصيل وكذالك الوالد للولد والعكس في كليهما؟ الرجاء التفصيل.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالنص المذكور عن صاحب التسهيل معناه أن الغارم -وهو الذي عليه دين- يعطى من الزكاة لوفاء دينه الذي من شأنه أن يحبس فيه، أي يكون دينا لآدمي، ولو كان المدين له ولده، فإنه وإن كان لا يحبس الوالد في دين الولد إلا أن المنع من حبسه حصل لعارض وهو كونه والداً له.

ويعطى المدين المعدم من الزكاة ليوفي دينه، وإن كان الحكم أنه ينظر ولا يحبس، إلا أن عدم حبسه لعارض وهو كونه معدماً، لأن الله يقول: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{البقرة:280}، فيعطيان من الزكاة لوفاء دينهما، وإن كانا لا يحبسان فيه لمانع الأبوة في الأول، والعدم في الثاني.

أما ما كان دينا لله تعالى كأن تكون وجبت على شخص زكاة فلم يخرجها ثم عجز عن إخراجها وكذا لو وجبت عليه كفارة فلم يخرجها ثم عجز عن إخراجها، فإنه لا يعطى من الزكاة لأنه لا يحبس في هذا الدين أصلاً، لأنه ليس لآدمي.

وأما إعطاء الرجل زكاة ماله لزوجته فلا يجزئ. قال ابن قدامة: وهو إجماع، ومحل المنع هو إعطاؤها الزكاة لتنفقها على نفسها، فأما لو أعطاها ما تدفعه في دينها فلا بأس به على ما صرح به المالكية والشافعية رحمهم الله.

قال الدردير المالكي رحمه الله في الشرح الكبير: (وهل يمنع إعطاء زوجة) زكاتها (زوجا) لعودها عليها في النفقة (أو يكره تأويلان)، وأما عكسه فيمنع قطعاً ومحل المنع ما لم يكن إعطاء أحدهما الآخر ليدفعه في دينه أو ينفقه على غيره وإلا جاز).

قال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله :(و) الرابع (من تلزم المزكي نفقته) يزوجية أو بعضيا (لا يدفعها إليهم باسم) أي من سهم (الفقراء و) لا من سهم (المساكين) لغناهم بذلك وله دفعها إليهم من سهم باقي الأصناف إذا كانوا بتلك) وهو ما يفهم أيضاً من كلام ابن تيمية عليه رحمة الله.

وبهذا يتبين للسائل أن دفع الزكاة للزوجة من أجل قضاء دينها الذي ليس عندها وفاء به لا حرج فيها لأنها في هذه الحالة تعطى باسم الغارمين، ومثلها في ذلك الأب أو الابن فلا حرج على كل منهما في دفع زكاة ماله للآخر لسداد دينه.

أما دفع الزكاة للوالد أو الولد لغير سداد الدين، فقد سبق حكمه في الفتوى رقم: 26323.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني