الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القائد الشهيد: نور الدين محمود زنكي

السؤال

استاذنا الجليل: أريد معرفة سيرة القائد نور الدين محمود وما هي السمات التي كانت تميزه، وما هو الهدف الذي كان يسعى لتحقيقه في حياته؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد قال الحافظ الذهبي عن القائد نور الدين محمود زنكي الكردي الشهيد -كما في السير-: صاحب الشام الملك العادل نور الدين ناصر، أمير المؤمنين، تقي الملوك، ليث الإسلام أبو القاسم محمد. انتهى

ولد في شوال سنة 511هـ. قال ابن الأثير: طالعت السير، فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته ولا أكثر تحرياً منه للعدل. انتهى

ومن سيرته أنه:

- أظهر السنة بحلب وقمع الرافضة.

- بنى المدارس والجوامع والمساجد بحلب وحمص ودمشق وبعلبك ودار الحديث وأنشأ المارستان.

- وأبطل المكوس.

- وبنى دار العدل وأنصف الرعية، وكان يعقد في دار العدل في الجمعة أربعة أيام، ويأمر بإزالة الحاجب والبوابين.

- وجاهد الكفار والأرمن وكسر الفرنج مرات ودوخهم وأذلهم، وكسرهم يوم حارم وكانوا ثلاثين ألفاً، فقل من نجا، وانتزع من الكفار نيفاً وخمسين مدينة وحصناً.

- وجهز جيشاً مع نائبه أسد الدين شيركوه، فافتتح مصر، وقهر دولتهم الرافضية، وصفت الديار المصرية لشيركوه نائب نور الدين، ثم لصلاح الدين، فأباد العبيديين واستأصلهم.

- وكان يتعرض للشهادة، وسمعه كاتبه يسأل الله أن يحشره من بطون السباع وحواصل الطير، وكان يقول: طالما تعرضت للشهادة فلم أدركها. قال الحافظ الذهبي معقباً: قلت: قد أدركها على فراشه!! وعلى ألسنة الناس: نور الدين الشهيد. اهـ

- ووقف على الضعفاء والأيتام والمجاورين، ووقف كتباً كثيرة مثمنة.

- وأمر بتكميل سور المدينة النبوية، واستخراج عين بأحد كان قد دفنها السيل.

- وكان زاهداً عابداً متمسكاً بالشرع، وكان حنفياً يراعي مذهب الشافعي ومالك، وكان يلازم السجادة والمصحف.

- وكان لا يرى بذل الأموال إلا في نفع، وما للشعراء عنده نفاق.

- وكان يميل إلى التواضع وحب العلماء والصلحاء، ويتجنب الكبر، ويتشبه بالأخيار.

- وكان كثير المطالعة، وروى الحديث وأسمعه بالإجازة، وراسل بعض العلماء كابن الجوزي.

- وكان لا يأكل ولا يلبس إلا من عمل يده!! ينسخ تارة، ويعمل أغلافاً تارة، وكان له عجائز، فكان يخيط الكوافي، ويعمل السكاكر، فيبعنها له سراً ويفطر على ثمنها، وكان له ملك قد اشتراه من سهمه من الغنيمة يتصرف منه، ولقد طلبت زوجته منه فأعطاها ثلاثة دكاكين فاستقلتها، فقال: ليس لي إلا هذا، وجميع ما بيدي أنا فيه خازن للمسلمين.

- وكان يتهجد كثيراً، وله أوراد في الليل والنهار، وكان كثير الصوم، وكان ذا خوف وورع، ويصلي في جماعة ويتلو ويسبح.

هذا، وسيرة نور الدين عظيمة وواسعة، وهي جديرة بالاطلاع عليها، وتجدها مبسوطة في كتب التواريخ مثل: (سير أعلام النبلاء) للحافظ الذهبي، و(البداية والنهاية) للحافظ ابن كثير، و(الكامل) لابن الأثير، وغير ذلك.

ومما سبق من سيرته نستخلص بعض سماته التي كانت تميزه، ومنها:

لزوم السنة، وهجر البدع والمبتدعة، والعدل مع الرعية، وحب الجهاد والتعرض للشهادة، الورع الشديد والأكل من عمل يده، وكثرة التعبد والتهجد والصوم.

وأما سماته الشخصية:

فقد كان حسن الصورة مليح الوجه، أسمر، واسع الجبهة، له لحية في حنكه، ولا شعر في وجهه سواه، حلو العينين، وكان طويلاً، وكان مهيباً وافر الهيبة، مع تواضعه ولطافته، وما تبسم إلا نادراً، وكان من أقوى الناس قلباً وبدناً، لم ير على ظهر فرس أحد أشد منه، كأنما خلق عليه، وكان حسن الرمي، وكان مليح الخط.

وأما الهدف الذي كان يسعى لتحقيقه في حياته فهو: حفظ الدين، وسياسة الدنيا به، وتعبيد الناس لله، وأطرهم على الحق أطرأ، ودفع الكفار عن بلاد المسلمين، وقمع أهل البدع من الرافضة وغيرهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني