الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعنيان كل مسلم

السؤال

ما معنى الحديث: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. وهل هناك ترابط بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره.... الحديث؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن بين الحديثين ترابطاً من أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يعني كل مسلم، قال الله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:104}، وقال تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {لقمان:17}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.

قال الإمام النووي: فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو أيضاً من النصيحة التي هي الدين... ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه؛ بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين. انتهى.

وعليه؛ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أولويات ما يعني كل امرئٍ مسلم، وليس ذلك مما لا يعنيه كما يقول أو يدعي بعض من يريد تعطيل هذه الشعيرة العظيمة من الدين، فقوله صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. لا يقتضي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بل يقتضي ترك ما لا يهمه ولا يليق به من خصوصيات غيره، وما لا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه، ولا ينفعه في مرضاة مولاه، قال ابن رجب الحنبلي في كتاب جامع العلوم والحكم في شرح هذا الحديث: ومعنى هذا الحديث أن من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال، ومعنى يعنيه أن تتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية شدة الاهتمام بالشيء، يقال: عناه يعنيه إذا اهتم به وطلبه... فإذا حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال والأفعال، فإن الإسلام يقتضي فعل الواجبات... وترك ما لا يعنيه كله من المحرمات أو المشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه. انتهى بتصرف بسيط.

وقال الإمام الغزالي: وحدُّ الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام لو سكت عنه لم تأثم ولم تستضر به في حال ولا مال، مثاله: أن تجلس مع قوم فتذكر لهم أسفارك وما رأيت فيها من جبال وأنهار... انتهى.

فيظهر مما تقدم أن الحديثين مترابطان من الحيثية التي ذكرنا، وليس بينهما تنافٍ ولا تضاد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني