الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطأ الآباء في حق الأبناء

السؤال

مشكلتي بدأت منذ سنين حيث تعرضت أنا وأختي في سن 5 و6 في بيت جدي لاعتداءات جنسية من خالنا، حيث فقدت أختي بكارتها في سن الخامسة من عمرها.
المشكلة أننا لم نكن نعلم ماذا يفعل بنا، حيث كان يقول لنا أنا خالكم وأحبكم، وللأسف كان والداي في الغربة مع إخوتي، ونحن كنا لمدة عامين في بلد عربي عندهم، وكلما كنا نريد إخبار العائلة بشيء كانوا يضربوننا بشكل وحشي ويقومون بسجننا في الحمام، ونحن مربوطتا الأيدي والأرجل.
المهم عدنا عند أهلنا إلى أوروبا، فحاولنا مباشرة إخبار والدي بكل شيء، لكن والدتي سامحها الله كانت وما زالت لا تطيق أن تسمع كلمة واحدة عنهم، فأخذت تهددنا بالضرب، وملأت رأس والدنا علينا، فبات لا يطيق لنا كلمة.
كنت صغيرة، وخفت منهم، فاضطررت لبلع لساني، ومحاولة نسيان كل شيء، وعشت إلى سن السابعة عشرة، وأنا أظن أن خالي أفقدني عذريتي أنا أيضًا!
لكن أختي المسكينة لم تستطع أن تنسى، وبدأت دائمًا تحاول إخبارهم بما حدث، فأخدوا يضربونها، وبدأت والدتي بكرهها، لأنه إن تأكد والدي مما حدث لطلق أمي، ولشدة كرهي لما حدث لنا أردت أن أنسى وأن أعيش عيشة طبيعية هذا ما جعلني أن أنكر كل شيء ليحبوني أهلي، فأخذوا يميزون بيننا في التربية إلى أن كرهتني أختي وكرهت أهلي.
المهم كبرت أنا وكنت أكره الغلط والحرام، فرباني والدي على الصراحة معه، فكان يقول لي تزوجي من شئت في المستقبل على أن يكون مسلمًا، وتفوقت في دراستي عكس أختي، فكان مستواها في كل شيء غير جيد، فبدأت تنحرف لعدم اهتمام أهلي بها، فما أن لاحظ والدي أرجعها لبيت جدي، وزوجها ابن عمي غصبًا، فعاشت معه أتعس أيام عمرها إلى أن حملت منه، فجاءت عندنا لتلد، فأخبرتنا بمعاملته الحقيرة لها، فأبينا جميعا أن تعود له، فأخذت تترجى والدي أن يطلقها منه فلم يفعل، إلى أن علقها ست سنوات لا هي متزوجة ولا مطلقة، وكلما كانت تطلب من والدي تزويجها كان يضربها بشكل هستيري، ويحبسها لوحدها أيامًا و ليالي، إلى أن هربت من البيت مع ابنتها، ولم نعلم لأكثر من سنة أين هي!
لقد كرهت أهلي جدًا، لأنهم دمروها للمرة الثالثة، فندم والدي أشد الندم، وأخذ يبحث عنها مع والدتي، لكنهم لم يجدوها.
أنا لم أستطع تحمل هذا الوضع في البيت، فجاءني قبول لدراسة في الجامعة في منطقة بعيدة، فسمح لي والدي فذهبت، وكنت أرفض أن أتحدث كلمة واحدة إلى الشباب، وكنت أولًا بأول أخبر والداي بكل شيء، فكانت تعجبهم صراحتي، ولكني في تلك الفترة كان عمري19عامًا، فبدأ الماضي يستيقظ رويدًا رويدًا في داخلي، بدأت ليليا أشعر بالآلام في جسدي كله، أشعر بأن أحدًا يضربني ليلًا، وكان القرآن لا يفيدني ولا شيء، فأخذت يوميًا أقع في الشارع، ولا أستطيع التنفس، فأصبحت أرى الماضي أمام عيني، فتأخر مستواي في الدراسة، لكني لم أخبر أحدًا.
وفي يوم فتحت الإنترنت، فتعرفت على شاب عربي مسلم من غير بلدي، كان محترمًا جدًا، كنا نكتب فقط، ولم أخبره بهويتي، ولشدة آلامي وأحزاني أخذت أخبره بكل ما جرى لي ولأختي، وأخبرني بكل شيء عنه، ولكني كنت أعلم أنه مؤكدًا سيكون مختلفًا في الواقع، لأن الشات دائمًا هكذا، فلذلك رفضت مقابلته، ولم أعطه أية معلومة عني، وأخبرته أني سمينة وبشعة جدًا، لكنه رغم ذلك كان يسمعني وأسمعه، وأخبرته بكل شيء، لأني كنت أعلم وكنت أقولها له أنه مستحيل لقاؤنا.
وكنت أخبر أهلي بكل شيء، ثم قلت علاقتي به، لأنه لم يكن يعني لي شيئًا، وكنت أريد الرحيل مجددًا لمكان أبعد، إلا أن شاء الله فقبلتني الجامعة التي يدرس بها هو، ولكني لم أردها، لأني أردت البعد عن من أعرفهم، لكن والدي طلب مني الالتحاق بتلك الجامعة بالذات لقربها منهم، وسبحان الله ربي، بأقل من أسبوع كنت قد رحلت ووجدت بيتًا وأنا مصدومة بنصيبي، لكني لم أخبر الشاب بشيء، كنت رأيت صورته مرة، فما أن ذهبت لجامعتي الجديدة إلا أن رأيته أمامي، لكنه لم يرني، وإن رآني فلن يعرفني أبدًا، فأخبرت والدي، فاستعجبا من ذلك النصيب، وقلت لهما مؤكدًا إنه ليس
بتلك الأخلاق، فطالما أنه لا يعرفني، ولا يعلم اسمي، ولا يعلم بوجودي، فسأسأل عنه، وعلى عكس ما توقعنا، تبين أنه صادق، كان محبوبًا بين الناس، وسمعته وأخلاقه جيدة، فاستمرت علاقتي بالشات على أني بعيدة، وكان يحلف بالله دائمًا إن رآني يومًا، فسيعرفني فورًا، مع أنه لم ير صورتي، وذات يوم كنت جالسة في قهوة الجامعة مع أختي، وسمعت صوتًا في رأسي قال لي: إنه الآن سيدخل، وما أن نظرت حتى دخل حقًا، فجلس وأخذ يحدق بي، فدهشنا حقًا، فقمنا وذهبنا، وخلال حديثي معه في الشات أخبرني أنه اليوم رأى فتاة، وأحس إلى حد اليقين أنها أنا، فأخذ يستحلفني بالله أن أقول الحقيقة، فأخبرته فقال لي: إنه سمع هاتفًا يناجيه، وأخبره بأنني أنا هي، فسبحان الله ربي.
أخبرت أهلي برغبته بمقابلتي مرة واحدة، فوافقوا، فرأيته، وأحسسنا أننا نعرف بعضنا منذ وقت طويل، فأخبرني مباشرة برغبته بالزواج بي، وأنه يريد أن يتقدم لخطبتي فورًا، فرحت كثيرًا، لكني خفت بنفس الوقت، لأنني أخبرته بقصتنا مع خالي وأهلي، وأخبرته أن أختي بعدما رفض والدي تطليقها بعد 6 سنوات من هجر زوجها لها قد هربت، وأنجبت طفلًا بالحرام، ومن بعد زوجها والدي من والد طفلها.
المهم أخبرت والدي برغبة الشاب بالزواج مني، فكانت الصاعقة الكبرى أنه رفض بحجة أني لا أعرفه، فأخبرته أننا لا نرغب سوى بالتعارف عنده بالبيت، لأنني لا أنا ولا الشاب نريد فعل الحرام، فرفض استقباله، وبعد 3 أشهر من معرفتي بالشاب، قرر أن يتقدم لي بصورة شرعية، وأخبر أهله، وما إن أخبرت والدي، فانهال عليَّ هو وأمي بالسب والشتم وقالا لي: اعتقدنا أنها مجرد علاقة أو نزوة عابرة، ولكن أن تنقلب العلاقة الى زواج، فلن نقبل، لأنه ليس من بلدك.
يا الله هل هذا يعقل؟ هم من شجعوني وكانوا على دراية بأدق التفاصيل، فأصبحت العلاقة حلالًا والزواج حراما! فاستمرا بالرفض إلى أن وقعنا للأسف في مقدمات الزنا، واتهم والدي الشاب أنه سحرني، فأخذ يتعامل مع الدجالين لتفريقنا، وبعد سنتين من العذاب عقد والدي قراننا في ليلة القدر.
لقد جرحنا أهلي جرحًا كبيرًا، ودفعونا للحرام!
سؤالي هو: هل أنا وأختي نعتبر قد أذنبنا بحق أهلنا؟ لإعلامي زوجي بكل شيء، ورغم حبي له أفكر بالانفصال عنه قبل العرس، لأني أخاف المستقبل! ماذا أفعل فهو لا يستحق؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فحسب ما قرأنا في رسالة الأخت، وجوابًا على سؤالها هل هي وأختها قد أذنبتا في حق والديهما؟ نقول: إن المذنب أولًا هما الوالدان وليس الفتاتين، وذلك أن الوالدين قد ارتكبا أخطاء كثيرة في حق ابنتيهما قصدا ذلك أو لم يقصدا.

أول هذه الأخطاء: السفر وترك طفلتين صغيرتين خمس وست سنوات خلفهما، في حين أن الطفل في هذه السن لا يستغني عن أبويه أو أحدهما.

الثاني: ترك الطفلتين عند هذه العائلة -وإن كانوا أقارب- التي يظهر أنها بعيدة كل البعد عن الدين والأخلاق، يتجلى ذلك في معاملتهم للطفلتين تلك المعاملة الوحشية التي وصفت السائلة، وفي وجود شخص بينهم (الخال) شاذ منتكس الفطرة فاسق فاجر، حيث ارتكب جريمته الشنيعة في حق الطفلتين البريئتين، مما ترك فيهما أبلغ الأثر، وجرحهما جرحًا غائرًا.

الثالث: حين اجتمع شمل الأسرة أخطأت الأم خطأ آخر، فبدلًا من أن تسمع لشكوى الطفلتين وتخفف عنهما، رفضت السماع لهما، وكبتت مشاعرهما، مما زاد الجرح غورًا وأثرًا في مستقبل حياتهما.

الرابع: ثم بعد ذلك أخطأ الوالدان خطأ فادحًا حين فضلا إحدى البنتين على الأخرى، مما سبب للأخرى عقدًا نفسية، ومشاعر كراهية وتمرد على أهلها.

الخامس: أخطأ الوالد حين زوج الفتاة ممن لا ترغب فيه، وأكرهها عليه، دون نظر إلى مشاعرها وعواطفها، ودون نظر للزوج في دينه وخلقه، مما جعلها تعيش حياة تعيسة مع زوج لا يقيم لها قدرًا، ويهينها ويحتقرها.

السادس: ضرب الوالد ابنته وحبسها حين كانت تطلب منه أن يطلقها من زوجها بقسوة، مما أدى إلى ما لا يحمد عقباه، وحتى وقع الفأس في الرأس بهرب الفتاة وانحرافها.

السابع: تشجيعهما ورضاهما عن إقامة ابنتهم (السائلة) علاقة مع شاب خارج نطاق الزواج، وهذا شيء غريب، والأشد غرابة كما قالت السائلة أنها حينما أرادت أن تكون هذه العلاقة بما أحل الله وهو الزواج، رفضا بشدة، وبذلك سدا على الفتاة الطريق الحلال، ودفعا بها إلى الحرام وإلى مقاربة الوقوع فيما وقعت فيه أختها وقد وقعت في مقدماته، لولا أن الله سبحانه حفظها منه.

إنه لمن المؤسف جدا أن يصل الحال ببعض الآباء إلى هذا الحد من سوء التربية، فبدلا من أن يأخذا بأيدي أبنائهم إلى بر الفضيلة والعفة ويحرسا أولادهم وبناتهم من مستنقعات الفساد وأوحال الرذيلة، نرى العكس من هذين الوالدين، وهذا ينم عن جهل بعظم المسؤولية الملقاة على عاتق الآباء، وأنهم مسؤولون أمام الله عما استرعاهم الله عليه من هؤلاء الأبناء، كما ينم عن جهل بأدنى قدر من أصول التربية، وينم كذلك وللأسف عن قلة دين الأبوين، وعن تأثرهما بعادات وأخلاق ذلك المجتمع الغربي الذي يعيشون فيه الذي لا يقيم للأخلاق والقيم وزناً.

نسأل الله أن يتوب عليهما، وأن يهديهما إلى الحق، وبهذا يتبين للأخت أن والديها هما من أذنب وأخطأ أولًا، ولا يعني قولنا أنهما أخطئا أنه ليس لهما فضل ولا حق، بل لهما حق كبير، وبرهما من أفضل الطاعات، ويجب الإحسان إليهما، وخفض الجناح لهما، وإكرامهما بالقول والفعل قال تعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً {الاسراء: 23ـ24}.

أما الأخت السائلة، فننصحها بالتوبة إلى الله عز وجل، وأن تحث زوجها على التوبة مما بدر منهما قبل الزواج، قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31}، وأن لا تجعل من الخوف من المستقبل أو معرفة الزوج بكل شيء عن حياتها سببًا للانفصال عن زوجها الذي تحبه، ولا يستحق الانفصال عنه كما قالت .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني