الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

لا يريد أحدهم الأخذ بالأحاديث لأنها جمعت بعد 200 سنة من موت الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ووضع الكثير منها. فمتى جمعت الأحاديث؟ وهل أعنتموني في الرد عليه لأنه يصرح بذلك أمام جماهير ومنهم من يسمع منه. وأعلم أنه يريد الإضلال. الرجاء الرد بسرعة لأن لدي فرصة للرد.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن رفض الحديث بحجة تأخير التدوين ووجود الوضع في بعض الأحاديث يعتبر تملصا من أحكام الشرع، فإن الله تعالى قد أوجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره، واتباعه في هديه، وجعل طاعته طاعة لله. قال الله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {آل عمران:132}. وقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ {النساء: 80}. وقال: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا {النور: 54}. وقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور: 63}. وفي حديث البخاري: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.

فلا يسوغ شرعا ولا عقلا ترك العمل بالسنة احتجاجا بهذه الحجج.

أما شرعا فلما قدمنا من وجوب طاعة الرسول في نصوص الوحي.

وأما عقلا فلأن أغلب تفصيلات أعمال الشرع كأفعال الصلاة وأنصبة الزكاة وما يخرج منها وأعمال الحج والعمرة إنما علمت بالسنة القولية والفعلية. فكيف تتم عبادة الله والقيام بأمره في هذه المسائل التي هي من أركان الإسلام إذا كان الإنسان لا يعمل بالسنة النبوية.

ثم إنا ننبه إلى أن كتابة الحديث وجمعه ليس صحيحا أنها تأخرت مائتي سنة. فإن الصحابة كان منهم من يكتب الحديث في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، منهم: عبد الله بن عمرو بن العاص. وقد بدأ التدوين الفعلي وجمع الحديث في عهد التابعين، حيث بدأه الإمام الحافظ الزهري بطلب من عمر بن عبد العزيز. ومن المعلوم أن عمر توفي في السنة الأولى من المائة الثانية. وأما أتباع التابعين في المائة الثانية فقد كثر في عصرهم التأليف في الحديث، حيث ألف فيه الإمام مالك وابن إسحاق والشافعي وابن جريج وغيرهم. ولو افترضنا أن الجمع لم يحصل إلا بعد مائتي سنة فإن الاعتماد فيما ثبت من السنة ليس على الجمع والتدوين، وإنما كان الاعتماد على ما نقل بالأسانيد المتصلة برواية العدول الثقات إلى الصحابة الناقلين عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمشافهة.

وأما الاحتجاج بوجود الوضع في الأحاديث.. فالجواب عليه أن من حفظ الله لدينه ولسنة نبيه أن قيض لهذه الأمة من بينوا صحيح الحديث وضعيفه وموضوعه من فطاحل العلماء المتخصصين المتبحرين في هذا الفن. فقد اهتم بعضهم بجمع الصحيح والحسن، واهتم بعضهم بجمع الموضوع والضعيف.

والمتأمل في المدون من الأحاديث بين أيدينا اليوم يلاحظ أن الصحيح والحسن من الحديث أكثر من الموضوع، فكيف يترك الحديث نهائيا بسبب وجود بعض الأحاديث الموضوعة. فالواجب على المسلم أن يبحث عما ثبت من الأحاديث فيعمل به وينشره، وما حكم عليه بالوضع فيجتنبه ويحذر الناس منه، وليستعن في ذلك بجهود العلماء السابقين فقد أبدعوا في خدمة هذا المجال إبداعا فائقا، وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية أرقامها: 38113 ، 26320 ، 52104 ، 53148 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني