الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مراحل التشريع الإسلامي والحكمة منه

السؤال

ما هي المراحل التي مر بها التشريع الإسلامي وما ثمرة هذه التطورات؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلقد جاء التشريع الإسلامي متدرجا، لأن ذلك أدعى إلى تقبله وعدم النفور منه، فتدرج القرآن في معالجة مشكلة الخمر بشكل خاص بأسلوب دقيق غير منفر، على مراحل متعددة: فأول آية نزلت تتكلم عن الخمر هي قوله تعالى: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً {النحل: 67}. ففي هذه الآية الكريمة نجد كيف أن القرآن بأسلوبه الدقيق أشار، بوضع المقابلة بين السكر والرزق الحسن، إلى أن السكر ليس من الرزق الحسن وإنما هو نقيض ذلك. ثم تحرك في وجدان المسلمين حب لبيان أكثر وضوحاً، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياـ فأنزل تعالى: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا {البقرة: 219}. فبين القرآن أن ضرر الخمر أكبر من نفعها، وفي هذا دفع لكثير من المؤمنين على هجرها. وبعد أن تهيأت النفوس بشكل أكبر، عمد القرآن الكريم لكسر عبادة الإدمان فحرم الصلاة على المسلم وهو سكران. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى {النساء: 43}. ثم جاء الأمر الحاسم من الحق سبحانه باجتناب الخمر حين قال: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:90}. وتدرج الشرع الحكيم في تحريم الربا، فقال عز من قائل: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ {الروم:39}. ثم ذكر القرآن أن الله كان قد حرم الربا على بنى إسرائيل، ولكنهم عصوا ربهم فعذبهم على هذا العصيان، فقال عز وجل: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيما {النساء:161}. ثم جاء التشريع الذي يخص المسلمين في درجته كالنهي عن الربا المتراكب أو المتضاعف دون النهي عن الربا بعامة، فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ *وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{آل عمران:130ـ132}. ثم جاء ختام التشريع الإسلامي في موضوع الربا نهيا عاما شاملا في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ {البقرة:278ـ279}. ونجد التدرج في التشريع في بعث معاذ إلى أهل اليمن، حيث إنه قبل أن ينطلق قال له صلى الله عليه وسلم: يا معاذ! إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم أن الله كتب عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس. هكذا تدرج الداعية، وهكذا تبليغ الناس، الأولويات فالأولويات، والقضايا الكبرى فالكبرى، ولا ينفع الدعوة الإسلامية أن تطرح للناس جملة، بل نقطة نقطة، فإن هم حققوها فلتأت الثانية. ..

ولله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني