الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الولاء والبراء لا يستلزم ترك المخالطة

السؤال

قد تشرفت منذ الصغر بأن كنت من الذين يدعون إلى اتباع منهج السلف الصالح علما وعملا على قدر المستطاع ولا يخفى على من يسلك هذا الدرب ما به من صعاب لأنه يقوم قبل كل شيء على العلم قبل القول والعمل فلا مجال لاتباع الأهواء مهما زينها أصحابها للناس "ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله" الآية.من الناحية العلمية حصلت الكثير من الضروري للمسلم في دينه فلا أقبل قولا بلا دليل، لكن من خلال ملاحظتي لما يقع تبين لي أن الكثير من الشباب وأكثرهم من الفقراء, أتباع الرسل يلجؤون إلى الابتعاد عن المجتمع فلا يخالطون الناس فينشأ عن ذلك قطيعة وكل يتكلم بلغة بتوجيه من بعض الدعاة تطبيقا منهم لمبدأ الولاء والبراء فيزهدون في الدخول إلى الجامعات مثلا، لكن حينما يصير هذا الشاب مسؤولا عن أسرته يضطر إلى التنازل عن كثير من الأمور في النهاية يتآكل فلا يبقى منه إلا الصورة: قميص قصير ولحية طويلة يشذبها كل يوم، في أغلب الأحيان حتى الصورة تذهب ولا حول ولا قوة إلا بالله، السؤال الذى أطرحه هو: هل ينبغي للداعية أن لا يدعو لشيء حتى ينظر الى مآله, فمن خلال ما رأيت فإن الكثيرين منهم لا يلتفت إلى هذا الأمر فيخرجون شبابا موسميا يلتزمون حينا ثم ينبذون كل شيء في النهاية، زعم بعض الدعاة أن هناك قاعدة فقهية مفادها "أن تقرير الحكم غير تطبيق الحكم" ما صحة هذه القاعدة أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإنا نهنئك على ما أنعم الله به عليك من الاهتمام بالدعوة لاتباع منهج السلف انطلاقاً من العلم الشرعي بعيداً عن الأهواء، فإن القيام بذلك من آكد الواجبات الشرعية، ويتعين على الداعي أن يعمل بما يدعو إليه حتى لا يكون ممن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، فقد عاب الله ذلك على اليهود فقال: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {البقرة:44}، وقد أخبرنا عن نبيه شعيب صلى الله عليه وسلم أنه قال لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ {هود:88}.

ولكن وجوب عمل الداعي بما يدعو إليه لا يسقط وجوب الدعوة حينما تعتري العبد فترات ضعف يكسل فيها عن القيام بالأمر؛ لأن كلا من العمل بما علم العبد ودعوته إليه واجب مستقل بذاته، ولا يسوغ أن يترك أحدهما بسبب عجزه عن الآخر، فإن ذلك مدخل من مداخل الشيطان يكسل فيها الناس عن الدعوة بعد ما كسلهم عن العمل.

وأما ابتعاد بعض الدعاة عن المجتمع فهو خلاف الأولى، فالداعية لا بد له من مخالطة الناس حتى يعرف أمورهم ويتناصح معهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فهذا هو هدي خيرة الخلق من الأنبياء والخلفاء الراشدين، كما ذكره النووي في رياض الصالحين.

وأما الابتعاد والعزلة فهو منهج الرهبان الذين كانوا يتفرغون للعبادات القاصرة ويترك أحدهم المجتمع، وهذه الأمة قد شرع لها اتباع منهج الأنبياء والصحابة، ومن أولويات هذا المنهج دعوة الفساق والمبتدعة والظلمة والمنافقين والكفار.

وليعلم أن الولاء والبراء لا يستلزم ترك المخالطة، بل على المسلم أن يعمل كما عمل إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقد تبرأ من قومه، ولكنه لم يقصر في دعوتهم ولم يترك السعي في هدايتهم.

هذا.. وليعلم أن الالتزام بطاعة الله تعالى هو السبيل الأمثل لتحقيق ما يطمح إليه العباد من رزق حسن وحياة طيبة وفتح أبواب البركات وفلاح الدنيا والآخرة، فلا يسوغ أن يقصر العبد في الطاعات بسبب اشتغاله في وظيفة أو مؤسسة، فإن تقوى الله وطاعته سبب لرزقه، وعصيان الله سبب لحرمانه، لقول الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3}، ولما في الحديث: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد.

وبناء عليه فيتعين على الداعي أن يدعو إلى الله ولا ينشغل بما يؤول إليه أمره لو توظف، بل يستعين بالله في تحصيل الاستقامة على الطاعة وفي تحصيل الرزق، وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8580، 28171، 53349، 47332، 47005، 31768، 33697.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني