الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في اختلاف نية الإمام والمأموم

السؤال

فتوى الشبكة رقم (69989) بتاريخ 16/11/1426هـ، السؤال غير واضح عليه نأمل توضيح السؤال، وأين نحن من صلاة معاذ الذي كان يصلي الفرض مع الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤم قومه عند عودته إليهم يصلي بهم إماما هو نفل وهم يصلون خلفه الفرض؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالسؤال في الفتوى رقم: 69989 واضح، والجواب عليه زاده وضوحاً أكثر فعليك بالتأمل.

وأما الاعتراض على مذهب المالكية ومن وافقهم بحديث معاذ فهو اعتراض صحيح، وهو الذي استندنا إليه في فتاوينا في جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، وصلاة من يصلي الظهر خلف من يصلي العصر، وفي الفتوى المذكورة اقتصرنا على شرح السؤال للسائل وبيان حقيقة الجواب عليه من العلامة عليش.

ونقول: إن القائلين بمنع ذلك لهم أدلة واستندوا إليها وحاشاهم أن يقرروا ذلك هوى أو جهلاً، إلا أنه كلٌ يؤخذ من قوله ويرد. وأجابوا عن حديث معاذ بأنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم نفلا ثم يعود ويصلي بقومه الفرض، وقد رد الشافعي رحمه الله وغيره على هذا الجواب، وقد بين النووي رحمه الله في المجموع أدلة الفريقين فقال: مذاهب العلماء في اختلاف نية الإمام والمأموم، قد ذكرنا أن مذهبنا: جواز صلاة المتنفل والمفترض خلف متنفل ومفترض في فرض آخر، وحكاه ابن المنذر عن طاوس وعطاء والأوزاعي وأحمد وأبي ثور وسليمان بن حرب، قال: وبه أقول، وهو مذهب داود. وقالت طائفة: لا يجوز نفل خلف فرض، ولا فرض خلف نفل، ولا خلف فرض آخر. قاله الحسن البصري والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة وأبو قلابة، وهو رواية عن مالك. وقال الثوري وأبو حنيفة: لا يجوز الفرض خلف نفل آخر ولا فرض آخر، ويجوز النفل خلف فرض، وروي عن مالك مثله، واحتج لمن منع بقوله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به. رواه البخاري ومسلم من طرق. واحتج أصحابنا بحديث جابر: أن معاذا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة. رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ مسلم. وعن جابر قال: كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يطلع إلى قومه فيصليها لهم، هي له تطوع، ولهم مكتوبة العشاء. حديث صحيح رواه بهذا اللفظ الشافعي في الأم ومسنده. ثم قال: هذا حديث ثابت لا أعلم حديثا يروى من طريق واحد أثبت من هذا، ولا أوثق -يعني- رجالاً.

قال البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار: وكذلك رواه بهذه الزيادة أبو عاصم النبيل وعبد الرزاق عن ابن جريج كرواية شيخ الشافعي عن ابن جريج بهذه الزيادة، وزيادة الثقة مقبولة، قال: والأصل أن ما كان موصولا بالحديث فهو منه، لا سيما إذا روي من وجهين؛ إلا أن تقوم دلالة على التمييز. قال: والظاهر أن قوله: هي له تطوع، ولهم مكتوبة من قول جابر، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بالله وأخشى له من أن يقولوا مثل هذا إلا بعلم. وحين حكى الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعل معاذ لم ينكر عليه إلا التطويل (فإن قالوا) لعل معاذاً كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نافلة وبقومه فريضة (فالجواب) من أوجه: (أحدها): أن هذا مخالف لصريح الرواية. (الثاني): الزيادة التي ذكرناها هي له تطوع، ولهم مكتوبة العشاء صريح في الفريضة، ولا يجوز حمله على تطوع (الثالث): جواب الشافعي والخطابي وأصحابنا وخلائق من العلماء: أنه لا يجوز أن يظن بمعاذ مع كمال فقهه وعلو مرتبته أن يترك فعل فريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مسجده، والجمع الكثير المشتمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى كبار المهاجرين والأنصار، ويؤديها في موضع آخر ويستبدل بها نافلة، قال الشافعي: كيف يظن أن معاذاً يجعل صلاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - التي لعل صلاة واحدة معه أحب إليه من كل صلاة صلاها في عمره ليست معه، وفي الجمع الكثير - نافلة؟! (الرابع): جواب الخطابي وغيره، ولا يجوز أن يظن بمعاذ أن يشتغل بعد إقامة الصلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بنافلة مع قوله صلى الله عليه وسلم: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. وعن جابر رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع وذكر الحديث.... إلى أن قال: فنودي بالصلاة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان. رواه البخاري ومسلم، وعن أبي بكرة قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو، فصلى بهم ركعتين ثم سلم، فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم، ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين. رواه أبو دواد والنسائي بإسناد حسن. واستدل الشافعي أيضاً بالقياس على صلاة المتم خلف القاصر، وأما الجواب عن حديث: إنما جعل الإمام ليؤتم به. فهو أن المراد ليؤتم به في الأفعال لا في النية، ولهذا قال صلى الله عيله وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا سجد فاسجدوا.... إلى آخره.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني