الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ينفع الكافر حسن خلقه وعمله الخيري في الآخرة

السؤال

ألاحظ أن النصارى وقساوسة النصارى يقومون بالأعمال الخيرة كثيرا أثارت دهشتي فعلى سبيل المثال يسكن بجانب بيتنا قس نصراني والغريب أنه أول ما يفعل عندما ينزل إلى الشارع يحيي كل عمال المحلات وإن أشار له أحد بسلام لم يشر بيده فقط بل إنه يستدير بكامل جسده للتحية ويقوم بالتعييد على المسلمين فردا فردا في الأعياد. وأيضا البائعون النصارى تجدهم حسني المعاملة أرخص من أي محل آخر وبضاعتهم جيدة جدا جدا جدا، فما داموا على هذا النحو من حسن الأخلاق لماذا لا يؤمنون بالحق ..... وهل هؤلاء القساوسة يعلمون أن الإسلام هو الحق أم أنهم ضالون وهل يصل الضلال إلى هذه الدرجة من العمى، هل هذه الأخلاق نوع من أنواع الخبث أو اللؤم ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد بينا حكم أهل الكتاب ومصير من أدرك منهم نبينا صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به وذلك في الفتويين:2924، 5750، ومن لم يؤمن منهم بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن أعماله الصالحة وخلقه الحسن إن كان ذا خلق لا ينفعه ذلك في الآخرة كما قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا {الفرقان:23}

وقد يتصف أحدهم بالخلق الحسن, بل قد يخدم الإسلام وأهله ولا يسلم, وما عم النبي صلى الله عليه وسلم أبو طالب عنا ببعيد, فقد خدم الإسلام ودافع عن النبي صلى الله عليه وسلم, وضحى في ذلك السبيل ومات على الكفر, وهو يعلم صدق النبي صلى الله عليه وسلم, وأنه مرسل من عند ربه, وقد سطر ذلك في أبيات شعرية جميلة يقول فيها:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وأبشر بذاك وقر منه عيونا

ودعوتني وزعمت أنك ناصح ولقد صدقت وكنت ثم أمينا

وعرضت دينا لا محالة أنه من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا

فمنعه الكبر وقالة أصحاب السوء فالأمر كما قال تعالى: مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا {الكهف:17}

وهذا النصراني الذي ذكرت قد يكون خلقه جبلة, وقد يقصد من ورائه الاستحواذ على عاطفة العامة كما يفعل المنصرون سيما في هذا الزمن الذي ترك فيه المسلون أخلاق الإسلام, وطفقوا يقلدون غيرهم من كل ناعق شرقيا كان أو غربيا ليصدهم عن دينهم. ومما ينبغي تجاه ذلك النصراني وغيره من أصحاب الأخلاق الرفيعة أن يعاملوا معاملة حسنة, ويبين لهم أن الإسلام قد دعا إلى مكارم الأخلاق حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم حصر بعثته في تتميم ذلك كما قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. رواه البيهقي وقد سئل عن البر فقال: البر حسن الخلق. رواه البخاري. وانظر الفتويين: 19702، 23239.

ولو كان المسلمون على ما ينبغي, وطبقوا تعاليم دينهم وامتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه, وتحلوا بأخلاقه وآدابه لما ظهر خلق أولئك وأشير إليهم بالبنان. فعلينا معاشر المسلمين أن نعود إلى ديننا فنحن أمة أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله, كما قال الملهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

والذي ننصح به تجاه أولئك أن يعاملوا معاملة حسنة, ويدعون بالأخلاق والأدب قبل الطلب, وتبرز لهم محاسن هذا الدين العظيم فقد قال صلى الله عليه وسلم لعلي يوم خيبر: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم, ثم ادعهم إلى الإسلام, وأخبرهم بما يجب عليهم, فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم. متفق عليه. وللفائدة انظر الفتويين: 16759، 19186.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني