الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقوال العلماء في إمامة المقعد

السؤال

هل تصح إمامة المقعد على كرسي متحرك أو على الأرض لغير المقعدين؟إذا كانت الإجابة بلا فهل هذا ينطبق على إمامة المقعد لغير الناطقين باللغة العربية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي أن يعلم أن الفقهاء استحبوا للإمام إذا مرض وعجز عن القيام أن يستخلف غيره، للاختلاف في صحة إمامته، ولأن صلاة القائم أكمل من صلاة القاعد.
كما ينبغي التفريق بين حالة مرض الإمام وعجزه الطارئ عن القيام، وبين كونه مقعداً دائماً، فمن طرأ عليه المرض ورجي شفاؤه، وكان إماماً راتباً، جاز أن يؤم القادرين على القيام، ويلزمهم الجلوس حينئذ، على القول الراجح كما سيأتي.
وأما أن يعين للإمامة من هو مقعد، أو أن يستمر فيها من لا يرجى برؤه، فهذا غير جائز، لإفضائه إلى أن يترك المأمومون القيام على الدوام، ولا حاجة ولا ضرورة تدعو إلى ذلك.
وكون المأمومين لا ينطقون بالعربية لا يسوغ ذلك أيضا.
وقد اختلف الفقهاء في إمامة القاعد لمن يقدر على القيام على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه لا تجوز إمامة القاعد لمن يقدر على القيام، وهذا مذهب المالكية.
الثاني: أنه لا تجوز إمامة القاعد إلا بشرطين: أن يكون إمام الحي، وأن يرجى زوال علته، وهذا هو مذهب الحنابلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون" متفق عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، وهو شاكٍ، فصلى جالساً، وصلى وراءه قوم قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا... وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون" متفق عليه.
وقد فعل ذلك أربعة من الصحابة: أسيد بن حضير وجابر، وقيس بن فهد، وأبو هريرة، ذكره ابن قدامة في المغني.
قال الحنابلة: فلو صلوا خلفه قياماً، ففي صحة صلاتهم وجهان، والمذهب أنها تصح، وأن الجلوس مندوب.
على أن القول بوجوب صلاتهم جالسين هو المستفاد من الأدلة السابقة، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
وأما إن ابتدأ بهم قائماً ثم اعتل فجلس، فيجب على المأمومين أن يصلوا قياماً، هذا مذهب الحنابلة، وهو الذي يدل عليه فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين ابتدأ بهم أبو بكر الصلاة قائماً، ثم ائتم أبو بكر والصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس، مع إكمالهم صلاتهم قياماً.
الثالث: جواز إمامة العاجز القاعد للقادرين على القيام، ويصلون خلفه قياماً، وهذا مذهب الحنفية والشافعية، واستدلوا بصلاة الصحابة قياما - كما في الحديث السابق- ورأوا أن هذا آخر الأمرين من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون ناسخاً للأمر بالجلوس خلف الإمام.
وأجيب عن هذا بأن النسخ لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع، وقد أمكن الجمع بما ذكره الحنابلة.
وننبه إلى أن بعض أهل العلم المعاصرين رجح صحة إمامة القاعد ولو لم يكن إمام الحي، ولو لم يرج زوال علته، وأن المأمومين يصلون خلفه جلوساً، ولو أدى ذلك إلى تركهم القيام على الدوام.
والمختار هو ما ذكرناه أولاً: من التفريق بين الإمام الراتب الذي يعتل، ويرجى زوال علته، وبين من لا يرجى زوال علته، أو لم يكن إماماً راتباً، وأريد جعله راتباً.
كما ننبه إلى أن صلاة القاعد بمثله جائزة عند جمهور العلماء. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني