الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

عرض علي صديقي أن أشتري منه عقارا, كان موضوع عقد بيع سابق من طرف أبيه كيفما سيقع عرضه.
حيث أبرم والد صديقي مع شخص عقد بيع لعقار بقيمة 34 ألف دينار منذ سنة 1998 , وقع الاتفاق بينهما على أن يتم تسديد المبلغ على دفعتين , دفعة أولى بعنوان تسبقة قيمتها 16 ألف دينار والباقي يقع دفعه عند مدّ المشتري بسند الملكيّة بعد أن تبين لوالد صديقي استحالة استخراج تلك الوثيقة آنذاك إذ تفاجأ بأن كل العمارة مرهونة ورفض في المقابل هذا المشتري فسخ عقد البيع على ضوء تلك المستجدات.
وحيث تحوّز المشتري بالشقّة وسوّغها طيلة 10 سنوات ب4200 د في السنة لشخص آخر.
وحيث لم يكتف المشتري برفضه فسخ البيع بل قام بالتحيل على والد صديقي فأوهمه بأنه يطلب منه أن يمضي على الوثيقة التي تفيد أنه توصّل منه بمبلغ التسبقة إلا أنه جعله يمضي على مبلغ جملي قيمته 29 ألف دينار, فاحتال عليه بالتالي في مبلغ 13 ألف دينار وادعى بأنه غير مدين لوالد صديقي إلا بـ5 ألاف دينار.
وحيث توفي والد صديقي متألّما من ذلك الاحتيال وبقي الأمر على ما هو عليه ,وقد كنت مواكبا لهذه الوضعية منذ بدايتها وملمّا بكل تفاصيلها.
وحيث توصّل صديقي مؤخرا بسند الملكية فجاءني عارضا عليّ ما يلي:
أن أشتري منه ذلك العقار بمبلغ 30 ألف دينار وهو أمر ممكن في القانون التونسي باعتبار أن القاعدة هي أن ملكية العقار ترجع للمشتري الذي يسابق إلى ترسيم مشتراه بإدارة الملكية العقارية بالاعتماد على ذلك السند بحيث يصبح سند الملكية باسم الشخص الذي يسبق إلى ترسيم مشتراه.
أما المشتري الذي لم يقم بترسيم مشتراه فليس له الحق إلا في استرجاع المبالغ التي دفعها فقط ولا يكون له الحق في الملكية.
لذا ولهذه الأسباب فإني أستفسر عما يلي:
1-هل البيع الذي تم بين والد صديقي والشخص المحتال صحيح أم فاسد؟
2-هل اشترائي لهذا المحل شراء صحيح أم فاسد؟
بارك الله فيكم وفي جميع المسلمين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلبيان حكم البيع المذكور ينبغي أن تعرف لماذا لم يتمكن البائع من الحصول على سند الملكية. هل لأن الشقة المباعة مرهونة بذاتها بدين، أم أن العمارة التي توجد فيها الشقة مرهونة، وليس بالضرورة أن تكون الشقة المباعة كذلك.

وعلى كل نقول: إذا كانت الشقة مرهونة، وكان بقاء سند الملكية عند المرتهن بمثابة قبض لهذا الرهن، وقام المالك لها ببيعها بدون إذن من المرتهن- فهذا البيع محل اختلاف عند أهل العلم، فمنهم من ذهب إلى أنه بيع باطل من أصله؛ كما جاء في كشاف القناع من كتب الحنابلة: وتصرف راهن في رهن لازم أي مقبوض بغير إذن المرتهن بما يمنع ابتداء عقده كهبة ووقف وبيع ونحوه لا يصح. اهـ

وذهب آخرون إلى أنه بيع صحيح موقوف على إجازة المرتهن، كما جاء في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: فبيع المرهون صحيح ولكنه موقوف على رضا المرتهن. اهـ

فعلى القول الثاني يُعتبر البيع المذكور صحيحا نافذا باعتبار حصول المالك على سند الملكية إجازة من المرتهن للبيع، وبالتالي لا يجوز للأخ السائل أن يشتري الشقة من صديقه لخروجها عن ملكه لصحة البيع الأول ونفاذه، وما حصل عليه المشتري الأول من غلة الإيجار فهو له لأنه بان أنه مالك للشقة فيما مضى.

وأما على القول الأول فالبيع باطل، وعلى المشتري تسليم الشقة ودفع ما حصل عليه من غلة الإيجار إلى المالك؛ لأنه بان أنه غير مالك للشقة.

والذي نرى رجحانه هنا هو أن بيع المرهون صحيح نافذ إذا كان برضى مرتهنه.

وهنا مسألة وهي أن تراجع المالك عن بيع المرهون -على القول بصحة البيع- لا يبطل البيع لأنه في حقه صحيح لازم لكنه غير نافذ إلا بإذن المرتهن.

وبالإشارة إلى القانون المذكور فإنه قانون غير صحيح؛ لأن البيع إذا تم مستوفيا شروطه وأركانه ترتبت عليه آثاره من انتقال المبيع إلى ملكية المشتري واستحقاق البائع للثمن، ولا يجوز لآخر أن يشتري المبيع في هذا البيع الصحيح؛ لحديث: لا يبع أحدكم على بيع أخيه. رواه مسلم. ويعتبر البيع الثاني باطلا، أما سند الملكية ونحوه فهو للتوثيق وحفظ الحقوق، ولا يصح في الشرع أن من حصل عليه يعد مالكا ويبطل حق المشتري الأول.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني