الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النيابة في العبادات.. الجائز والممنوع

السؤال

ما هي العبادات التي يجوز أن نوكل عليها، والعبادات التي لا يجوز فيها ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد قسم أهل العلم العبادات إلى ثلاثة أقسام:

1- قسم متفق على صحة النيابة فيه حيث لم يتوقف نفعه على فعل صاحبه مباشرة؛ كرد الشيء المغصوب لمالكه، ودفع النفقات للزوجات والأقارب ونحوهما.

2- قسم متفق على عدم إجزاء النيابة به فلا يجزئ من غير المأمور به؛ كالإيمان بالله تعالى مثلاً.

3- قسم محل خلاف هل تجزئ فيه النيابة أم لا؟ ويشمل هذا القسم أربع مسائل:

- الزكاة إذا أخرجها أحد بغير علم من وجبت عليه أو بغير إذنه.

- الحج عن الغير.

- الصوم عن الميت المفرط في القضاء.

- عتق الإنسان عن غيره.

وقد فصل هذه المسائل الإمام القرافي في كتابه الفروق حيث قال: اعلم أن الأفعال المأمور بها ثلاثة أقسام (قسم) اتفق الناس على صحة فعل غير المأمور به عن المأمور وذلك كدفع المغصوب للمغصوب منه وإن لم يشعر الغاصب فإن ذلك يسد المسد ويزيل التكليف، ودفع النفقات للزوجات والأقارب والدواب فإن دفعها غير من وجب عليه لمن وجبت له أجزأت وإن لم يشعر المأمور بها من زوج أو قريب، وكذلك دفع اللقطة لمستحقها وإن لم يشعر ملتقطها وهذا النحو. (وقسم) اتفق الناس على عدم إجزاء فعل غير المأمور به فيه وهو الإيمان والتوحيد والإجلال والتعظيم لله سبحانه وتعالى، وكذلك حكي في الصلاة الإجماع، ونقل الخلاف في مذهب الشافعي في الصلاة عن الشيخ أبي إسحاق ويقال إنه مسبوق بالإجماع. (وقسم) مختلف فيه هل يجزئ فعل غير المأمور عن المأمور به ويسد المسد أم لا؟ وفيه أربع مسائل:

(المسألة الأولى) الزكاة إن أخرجها أحد بغير علم من هي عليه أو غير إذنه في ذلك، فإن كان غير الإمام فمقتضى قول أصحابنا في الأضحية يذبحها غير ربها بغير علمه وإذنه إن كان الفاعل لذلك صديقه ومن شأنه أن يفعل ذلك بغير إذنه، لأنه بمنزلة نفسه عنده لتمكن الصداقة بينهما أجزأته الأضحية إن كان مخرج الزكاة من هذا القبيل، فمقتضى قولهم في الأضحية أن الزكاة تجزئه، لأن كليهما عبادة مأمور بها مفتقرة للنية، وإن كان ليس من هذا القبيل لا تجزئ عن ربها لافتقارها للنية على الصحيح من المذهب لأجل شائبة العبادة، وعلى القول بعدم اشتراط النية فيها ينبغي أن يجزئ فعل الغير فيها مطلقاً كالدين والوديعة ونحوهما مما تقدم في القسم المجمع عليه، وهذا القول -أعني عدم اشتراط النية- قاله بعض أصحابنا وقاسها على الديون واستدل بأخذ الإمام لها كرهاً على عدم اشتراط النية، وباشتراطها قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم لما فيها من شائبة التعبد من جهة مقادير في نصبها والواجب فيها وغير ذلك وإن أخذها الإمام كرهاً، وهو عدل أجزأت عند مالك وعند الشافعي رحمهما الله تعالى اعتماداً على فعل الصديق رضي الله عنه، ولظاهر القرآن وهو قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا. وظاهر الأمر الوجوب الذي أقل مراتبه الإذن والإجزاء، لأن الإمام وكيل الفقراء فله أخذ حقهم قهراً كسائر الحقوق، وقال أبو حنيفة: لا يأخذها الإمام كرهاً، لكن يلجئه إلى دفعها بالحبس وغيره لافتقارها للنية، والإكراه مع النية متنافيان.

(المسألة الثانية) الحج عن الغير.. منعه مالك وجوزه الشافعي رضي الله عنهما بناء على شائبة المال، والعبادات المالية يدخلها النيابات، ومالك يلاحظ أن المال فيه عارض بدليل المكي يحج بغير مال، بل عروض المال في الحج كعروض المال في صلاة الجمعة لمن داره بعيدة عن المسجد فيكتري دابة يصل عليها للمسجد، ولما لم تجز صلاة الجمعة عن الغير فكذلك الحج، وللشافعي الفرق بأن عروض المال في الحج أكثر، ولما ورد في الأحاديث من الحج عن الصبيان والمرضى يُحرِم عنهم غيرهم ويفعل أفعال الحج والعبادات أمر متبع.

(المسألة الثالثة) الصوم عن الميت إذا فرط فيه.. جوزه أحمد بن حنبل وروى الشافعية ذلك أيضاً في مذهبهم لقوله عليه الصلاة والسلام: من لم يصم صام عنه وليه. ولم يجوزه مالك رحمه الله تعالى، لقوله تعالى: وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى. وقياساً على الصلاة ومن هذا الباب الحج عن الميت أيضاً.

(المسألة الرابعة) عتق الإنسان عن غيره.. قال مالك في المدونة: من أعتق عبده عن ظهار غيره على جعل جعله له فالولاء للمعتق عنه وعليه الجعل ولا يجزئه كالمشتري بشرط العتق، قال ابن القصار: وإذا لم يكن في الجعل وضيعة عن الثمن جاز، لأنه إذا جاز هبته فبيعه أولى، وقال صاحب الجواهر: في العتق عن الغير ثلاثة أقوال؛ الإجزاء وهو المشهور قاله ابن القاسم ولأشهب عدم الإجزاء، وقال عبد الملك: إن أذن في العتق أجزأ عنه وإلا فلا، وقاله الشافعي رضي الله عنه. قال اللخمي: يجزئ العتق عن ظهار الغير عند ابن القاسم وإن كان أبا للمعتق، وفرق بعض الأصحاب بين عتق الإنسان عن غيره وبين دفع الزكاة عنه فلا يجزئ في الثاني، لأنها ليست في الذمة والكفارة في الذمة. قال اللخمي: والحق الإجزاء فيهما، لأنهما كالدين. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني