الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تسخير الإنس للجن وحكمه

السؤال

ما حكم الإسلام في من يدّعون تسخير الجن؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ {الأنعام:128}، وقد ذكر علماء التفسير أن استمتاع الجن بالإنس، يكون بعبادتهم إياهم بالذبائح، والنذور، والدعاء، وأن استمتاع الإنس بالجن، يكون بقضاء الجن لحوائج الإنس التي يطلبونها منهم، وإخبارهم ببعض المغيبات التي يطلع عليها الجن في بعض الجهات النائية، أو يسترقونها من السمع، أو يختلقون ذلك ويكذبونه، وهو الأكثر، قال الإمام ابن كثير: قال الحسن: وما كان استمتاع بعضهم ببعض، إلا أن الجن أمرت، وعملت الإنس.. وقال ابن جريج: كان الرجل في الجاهلية ينزل الأرض، فيقول: أعوذ بكبير هذا الوادي، فذلك استمتاعهم، فاعتذروا به يوم القيامة، وأما استمتاع الجن بالإنس، فإنه كان فيما ذكر: ما ينال الجن من الإنس من تعظيمهم إياهم في استعانتهم بهم، فيقولون: قد سدنا الإنس والجن. أهـ.

وما أحسن ما ذكره الإمام ابن تيمية من التفصيل في أحوال الإنس مع الجن؛ إذ يقول، كما في مجموع الفتاوى: والمقصود هنا أن الجن مع الإنس على أحوال:

- فمن كان من الإنس يأمر الجن بما أمر الله به، ورسوله، من عبادة الله وحده، وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويأمر الإنس بذلك، فهذا من أفضل أولياء الله تعالى، وهو في ذلك من خلفاء الرسول، ونوابه.

- ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له، فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له، وهذا كأن يأمرهم بما يجب عليهم، وينهاهم عما حُرِّم عليهم، ويستعملهم في مباحات له، فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون ذلك...

- ومن كان يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله، إما في الشرك، وإما في قتل معصوم الدم، أو في العدوان عليهم بغير القتل، كتمريضه، وإنسائه العلم، وغير ذلك من الظلم، وإما في فاحشة، كجلب من يطلب منه الفاحشة، فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان، ثم إن استعان بهم على الكفر، فهو كافر، وإن استعان بهم على المعاصي، فهو عاص: إما فاسق، وإما مذنب غير فاسق..

وبناءً على ما تقدم نقول- وبالله التوفيق-: إن المدعي تسخير الجنّ إما أن يكون كاذبًا في دعواه، ولا يقدر على ذلك، وإنما يدعي ما يّدعيه؛ لأجل ترهيب بعض الناس، وإخافتهم، أو للحصول على منافع منهم، كالأموال، وغيرها، بالشعوذة، ونحوها.. وإما أن يكون يسخر الجنّ فعلًا، وعندئذ ينظر:

1- إن استخدمهم في طاعة، مثل: أن يكون له صاحب من الجن مؤمن، يأخذ عنه العلم، فيستخدمه في تبليغ الشرع لنظرائه من الجن، أو في المعونة على أمور مطلوبة شرعًا، فإنه يكون أمرًا محمودًا، أو مطلوبًا، وهو من الدعوة إلى الله عز وجل، والجن حضروا النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ عليهم القرآن، وولَّوا إلى قومهم منذرين، والجن منهم الصلحاء، والعباد، والزهاد، والعلماء؛ لأن المنذر لا بدّ أن يكون عالمًا بما ينذر عابدًا. انظر فتاوى الشيخ ابن عثيمين في العقيدة (1/290، 291)، ولكن هذا قليل جدًّا.

2- وإن استخدمهم في أمور مباحة، فهذا جائز، بشرط أن تكون الوسيلة مباحة، فإن كانت محرمة، فهو محرم، مثل أن لا يخدمه الجني إلا أن يشرك بالله، كأن يذبح للجني، ويركع له، أو يسجد، ونحو ذلك.

3- وإن استخدمهم في أمور محرمة، كنهب أموال الناس، وترويعهم، فهذا محرم.

وإن كانت الوسيلة محرمة، أو شركًا، فهو محرم، أو شرك بحسب الحال.

وأكثر الذين يتعاملون مع الجن، ويسخرونهم لخدمتهم، في الواقع بعيدون عن الهدى، حائدون عن الصراط، مقارفون للكبائر، تاركون للصلوات، أو مضيعون لها، مجاورون للأقذار والنجاسات، كذابون أفاكون دجالون، يبتزون الأموال، ويتعاطون السحر، ويتعاملون به، مع أن السحر كفر، ويستخدمون الطلاسم، والكلمات غير المعروفة، ولا المفهومة، ومنهم من يذبح للجن القرابين، إلى غير ذلك من الأمور المكفرة.

ومن كان كذلك، فإنه يجب الحذر منه، وعدم الذهاب إليه؛ لأنه دجال.

والواجب على أهل الدعوة والصلاح أن ينهوا هؤلاء، وأمثالهم عن المنكر، وأن يقوموا بنصحهم، وتوجيههم، فإن رجعوا إلى الحق، وابتعدوا عن المنكر، فحسن، وإلا وجب رفع أمرهم إلى من يستطيع منعهم، وكف شرهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني