الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعليق التفويض في الطلاق

السؤال

في نقاش مع زوجتي وهي مسافرة إلى أهلها في إجازتنا السنوية وسوف ألحق بها أنا بعد أيام، قالت لا بد أن تكون العصمة في يدي خوفاً من أن لا تأتي في موعدك، وبعد إصرار منها قلت لها عندما تصلي إلى أهلك فان العصمة في يدك وسافرت وعندما اتصلت بها لأطمئن علي وصولها قالت لي إذا لم تأت في الموعد المحدد فإنني طالق منك ولكن قبل الموعد ظهرت ظروف تمنع وصولي فقامت بتجديد الموعد إلى موعد آخر حيث إنني لم أتمكن من الحضور في الموعد الثاني لمقابلتها ولكني وصلت إلى الدولة التي هي بها في اليوم المحدد كما أنني قبل فترة من الزمان حصلت بيننا مشكلة وكانت تريد الخروج من البيت ونحن في بلد الغربة وقلت لها إن خرجت فأنت طالق وخرجت وتكرر الموقف مرة ثانية وبنفس الطريقة عندها قلت لها إن الطلاق أصبح مرتين رغم أنني لا أريد طلاقها ولكني أخاف من خروجها من البيت أرجو إفادتي والله الهادي

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقول الرجل لزوجته جعلت العصمة بيدك أو تكون العصمة بيدك، كقوله أمرك بيدك، وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى أن قول الرجل لزوجته أمرك بيدك صحيح ولها تطليق نفسها.

ولكن اشترط الشافعية أن تختار المرأة الطلاق أو عدمه في نفس المجلس، أما لو علق تمليكها بأمر كأن قال إذا جاء يوم الجمعة فأمرك بيدك، فقوله هذا لغو، وليس للمرأة إذا جاء يوم الجمعة أن تختار طلاق نفسها ، ومثل ذلك قول السائل إذا وصلت إلى أهلك فأمرك بيدك أو عصمتك بيدك، فقوله هذا لغو وليس للمرأة إيقاع الطلاق لأي سبب من الأسباب.

قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: (التفويض) للطلاق وهو جائز بالإجماع ...(قوله طلقي نفسك) لزوجته (أو اعتقي نفسك لأمته تمليك) للطلاق والإعتاق ... (لا توكيل) ...(فإن كان ) التفويض (بمال فيملك بعوض) كالبيع كما أنه بلا عوض كالهبة (وشرطه) أي التفويض أي شرط صحته:

(التكليف) فلا يصح من غير مكلف ولا مع غير مكلفة لفساد العبارة.

(والتطليق فورا لتضمنه القبول) وهو على الفور لأن التمليك يقتضيه فلو أخرت بقدر ما ينقطع به القبول عن الإيجاب ثم طلقت لم يقع ( إلا أن قال ) طلقي نفسك (متى شئت) فلا يشترط الفور.

(وللزوج الرجوع) عن التفويض(قبله) أي قبل التطليق (ولا يصح تعليقه) أي التفويض (فقوله إذا جاء الغد أو زيد) مثلا (فطلقي نفسك لغو) كسائر التمليكات في جميع ذلك. انتهى

وأما الحنفية والمالكية والحنابلة فأجازوا تعليق التفويض.

قال الكاساني في بدائع الصنائع وهو حنفي: ولو قال لامرأته يوم يقدم فلان فأمرك بيدك فقدم فلان ليلا لا يكون لها من الأمر شيء لأن ذكر اليوم في حال الأمر ذكر يراد به الوقت المعين, لأن ذكر الأمر يقتضي الوقت لا محالة وهو المجلس, لأن الصحابة رضي الله عنهم جعلوا للمخيرة الخيار ما دامت في مجلسها, فقد وقتوا للأمر وقتا, فإذا كان كذلك استغني عن الوقت فيقع ذكر اليوم على بياض النهار, فإذا قدم نهارا صار الأمر بيدها علمت أو لم تعلم, ويبطل بمضي الوقت لأن هذا أمر موقت فيبطل بمضي الوقت, والعلم ليس بشرط، كما إذا قال أمرك بيدك اليوم فمضى اليوم أنه يخرج الأمر من يدها. وأما في الأمر المطلق فيقتصر على مجلس علمها. اهـ

وقال الشيخ محمد عليش في منح الجليل وهو مالكي :(و) لو علق الزوج تخيير زوجته أو تمليكها (بحضوره) أي على قدوم غائب غيره من سفره بأن قال لها: إن حضر فلان من سفره فأمرك بيدك تخييرا أو تمليكا وحضر فلان (ولم تعلم) الزوجة بحضوره (فهي) أي الزوجة (على خيارها) في الطلاق وعدمه متى علمت ولو بعد وطئها طائعة حتى تمكنه عالمة بحضوره طائعة...وإن قال لامرأته: إذا قدم فلان فاختاري فلها ذلك إذا قدم ولا يحال بينه وبين وطئها, وإن وطئها الزوج بعد قدوم فلان ولم تعلم المرأة بقدومه إلا بعد زمان فلها الخيار حين تعلم. اهـ

وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني وهو حنبلي: ويصح تعليق : أمرك بيدك , واختاري نفسك. بالشروط, وكذلك إن جعل ذلك إلى أجنبي, صح مطلقا ومقيدا ومعلقا، نحو أن يقول: اختاري نفسك, أو أمرك بيدك, شهرا, أو إذا قدم فلان فأمرك بيدك. أو اختاري نفسك يوما. أو يقول ذلك لأجنبي. قال أحمد: إذا قال: [ إذا ] كان سنة, أو أجل مسمى. فأمرك بيدك. فإذا وجد ذلك. فأمرها بيدها, وليس لها قبل ذلك أمر .اهـ

وما ذهب إليه الشافعية هو الراجح بناء على أن التفويض تمليك للطلاق، والتمليك لا يقبل التعليق، أما من جعل التفويض من باب التوكيل فلا إشكال في قوله بجواز تعليق التفويض ويكون له وجه قوي من النظر، وعليه، فإذا لم تقدم في الموعد المحدد وقع الطلاق، وبما أن المسألة كما علمت من المسائل الخلافية فإننا ننصح بمراجعة المحاكم الشرعية وطرحها عليها، أما بخصوص الطلقتين الأخيرتين فهما نافذتان على قول جمهور أهل العلم ولو كان التعليق بقصد التهديد أو المنع، ويرى شيخ الإسلام أن تعليق الطلاق إذا كان القصد منه غير الطلاق تلزم فيه كفارة يمين بالله تعالى، وتراجع الفتوى رقم: 5684 والفتوى رقم: 5677 ،

والله أعلم بالصواب ، وانظر الفتوى رقم 9050.

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني