الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصائح هامة في فترة الخطوبة

نصائح هامة في فترة الخطوبة

نصائح هامة في فترة الخطوبة

في بداية هذا المقال نحب أن نوضح أننا هنا نحاول جاهدين أن نعالج ظاهرة اجتماعية معاصرة نرى أن لها نتائج سيئة اجتماعيا ودينيا في حالات كثيرة، ومع هذا ما تزال جمهرة الناس عليها متأثرين فيها بأفكار ونظم غير إسلامية، مما يستدعي التنبيه عليها في وضوح.

مجرد وعد لا أكثر
لابد أن يعرف الخاطب والمخطوبة ـ وأهل كليهما ـ أن الخطبة لا تزيد شرعا عن أن تكون وعدا بالزواج، أو تكون عزما وتراضيا على النكاح، لكنها لا تقوم مقام عقده في شيء مما يبيحه هذا العقد خاصة، فلا تبيح الخلوة الكاملة بين طرفيها، لأنهما شرعا ما زالا رجلا وامرأة لم يجمع بينهما ذلك العقد الشرعي الصحيح الذي يبيحها هي وما قد تؤدي إليه، كما لا تبيح الخطبة شيئا من حقوق استمتاع كل من الطرفين بالآخر بدنيا.

وعلى الخاطب والمخطوبة كليهما أن يراعيا الله في ذلك، وأن يعلما أنهما مقدمان على أمر خطير ـ هو الزواج ـ يحتاجان فيه ـ مهما كان بينهما من الحب الوثيق ـ إلى توفيق الله تعالى وتسديده لهما، وهما لا يطلبان بمعصية الله تعالى.
فينبغي على كل منهما أن يكبح هواه، وأن يوطن نفسه على أن لا يتعدى حدود الله. ومن ثم ينصرف كل منهما إلى تعريف الآخر تفاصيل طباعه ومشاربه واتجاهاته وآماله، وليلزما في ذلك الصدق قدر الاستطاعة، ليصلا منه إلى الملاءمة بين مشاربهما وطباعهما في حياتهما المستقبلة. وبهذا يصبح لفترة الخطبة فائدة كبيرة فيما وضعت من أجله، دون أن تترتب عليها ـ في جميع الحالات والاحتمالات ـ نتائج ضارة.

طبيعة في كل الرجال
ولتعلم المخطوبة خاصة أن الرجل ـ أي رجل ـ مهما تشدق بكلمات عن المساواة الكاملة وتحرير المرأة والتقدمية، فهو بطبعه وأصل خلقته يعجبه جدا أن تحفظ المرأة (التي اختارها زوجة) نفسها منه حتى يكون العقد الشرعي، مهما بلغ به الحب والرغبة فيها. وهناك من الدلائل ما يشير إلى أن الرجال جميعا متساوون في ذلك، فلا فرق بينهم فيه بين المتدين وغيره، والصالح والفاسق. بل ربما كان فسق الرجل وتجاربه الماضية داعيين إلى مزيد من الثقة بالخطيبة والإعجاب الباطني بها كلما اعتصمت بدينها وخلقها، مما قد يدعوها إليه في فترة الخطبة. وذلك أمر ينعكس ـ وتبدو نتيجته في وضوح ـ بعد عقد الزواج، من حيث الثقة بها والإعزاز لها، واليقين بأنها امرأة تعرف كيف تحفظ نفسها مهما استبدت بها الرغبة ودفعها الهوى.

وعلى العكس من ذلك.. فكثيرا ما نقرأ ونسمع عن انصراف الخاطب عن مخطوبته قبل العقد حين يبلغ منها مأربا أو يصل إلى ما لم يكن ينبغي لها أن تمكنه منه قبل العقد. فإن رضي بإتمام العقد بعد ذلك كان في موقف المتفضل، وهو موقف يحسن بالزوجة أن لا توقع نفسها فيه.

فجماع الأمر أن الخاطب قد يحث مخطوبته بالقول والفعل ـ وطرق أخرى متعددة ـ على الاستجابة لدواعي الهوى، وقد يدفعه إلى ذلك جنوح هوى، أو رغبة في الاختبار ومزيد من التعرف الخلقي أو النفسي أو الجسدي.. بيد أنه ـ في قرار نفسه وعمقها ـ يود أن لو ردت المرأة ذلك كله في حسم ورغبة عنه من دين وخلق.. وتمتزج الرغبتان عنده في مزيج معقد تعقيد النفس البشرية ذاتها وتركيبها من المتناقضات.

واجبات أهل المخطوبة
أما أهل المخطوبة فعليهم في ذلك واجبان ضروريان:
أولهما: عدم تمكين الخاطب والمخطوبة من الخلوة الكاملة، أو توفير ظروف قد تؤدي بهما إلى جموح الهوى.
أما أن يهيئوا هم لذلك ظروفا يقولون عنها إنها تؤدي إلى مزيد من التعارف والتوفيق بينهما، فذلك خطأ جسيم كثيرا ما يدفعون ثمنه غاليا بعد ذلك، وهو خيانة لواجب الرعاية الذي افترضته الشريعة عليهم في حق ابنتهم.

ثم هو في حقيقته ـ رغم مخاطره الكثيرة المتوقعة غالبا بحكم الطبيعة البشرية ـ لا يؤدي إلى ما يقولونه من معرفة كل من الطرفين لطباع الآخر على نحوصحيح، لأن هذا التعارف يمكن أن يحدث ـ إن صدق كل منهما في ظروف آمنة ولقاء كريم يأمن الطرفان والأهل فيها من حدوث شيء فيه من المحظور المتقى.

ثم إنه ـ مما لا شك فيه ـ أن الطرفين غالبا ما يتصنعان ـ بخاصة عند الخلوة الكاملة ـ طباعا ليست هي الحقيقة الكاملة.
وهناك أمور لا تتضح في الحقيقة مهما تكن درجة الاختلاط بين الخطيبين إلا عند العشرة الكاملة وتعايش الطرفين في بيت واحد بعد عقد الزواج.

والأمورالأساسية فيما يمكن أن يعرفه كل مهما عن الآخر قبل تعايشهما الكامل بعد العقد يمكن التوصل إليها دون الخلوة الكاملة بمخاطرها الكثيرة وذلك بطرق متعددة لا نحتاج إلى تقريرها.

أما الواجب الثاني على الأهل فهو أن يساعدوهما ـ جهد الطاقة والمستطاع ـ على الإسراع بعقد الزواج، وأن يذللوا لهما ما قد ينشأ في طريق ذلك من عقبات.

فما داموا قد ارتضوا هذا الخاطب صهرا فيجب عليهم أن لا يرهقوه بمطالب يعجز عنها أو تعسر عليه، إنمايجب عليهم أن يعينوه بشتى الوسائل على تهيئة بيت الزوجية دون عنت أو إرهاق، عملا بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم في أن خير الزواج أقله تكلفة وأبعده عن إرهاق الزوج بالمهر وغيره؛ كما جاء عند ابن حبان من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من يمن المرأة تسهيل أمرها وقلة صداقها]، ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما: [خيرهن أيسرهن صداقا]، وذلك أيضا إسراعا بابنتهم إلى بيت الزوجية الذي فيه يباح كل ما نبهنا على حرمته قبل العقد.

لا للخطبة الطويلة الأمد
ويعين على تحقيق كل ما ذكرناه آنفا أن لا يقبل أهل المخطوبة خطبة طويلة الأمد جدا، قبل أن يتهيأ الخاطب لكثير من أمور الزواج ومطالبه:
أولا: لما في الخطبة الطويلة من مخاطر ذكرناها، وهي تزيد إلحاحا على الطرفين كلما تيقنا من بعد لقائهما الشرعي لعدم توفر ظروفه ومطالبه قبل زمن طويل قد يصل إلى سنين.

وأيضا فإن الله يقلب القلوب والأبصار، وزمن الخطبة الطويل ـ بما يتضمنه من تغير في ظروف الخاطب أو المخطوبة الاجتماعية والثقافية والمالية، والنضج النفسي لدى كل منهما، وما قد يؤدي إليه ذلك من تغير في مقاييس النظر والاختيار ـ مجال متسع لمثل هذا التقلب، وكثيرا ما يدفع أحد الطرفين أو أهله عندئذ ثمن إقباله على خطبة طويلة الأمد إلى حد تتغير فيه الظروف والمقاييس، وتتقلب فيه القلوب أو الأبصار، مهما واثق كل منهما نفسه وصاحبه وأهله في أول الخطبة على الصدق والإخلاص ودوام الرغبة.

إنها أمور غاية في الخطورة والأهمية أحببنا أن ننبه عليها ونذكر بها، ونحذر من التفريط فيها لكثرة ما رأينا في الواقع من مشكلات وبليات عادت بالشر الوبيل على الطرفين أو أحدهما وخصوصا المخطوبة وأهلها ومستقبلها.. فنسأل الله أن تنبته جميع الأطراف وأن يحفظ الله المسلمين من كل شر وسوء.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة