الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إعادة الصلاة لأجل الجماعة والنهي عن ذلك

إعادة الصلاة لأجل الجماعة والنهي عن ذلك

إعادة الصلاة لأجل الجماعة والنهي عن ذلك

حرص الإسلام على روح الألفة والاجتماع بالأبدان؛ لأنها مظنة اجتماع الأرواح، فشرع للمصلي أداء الصلاة مع الجماعة؛ تعزيزاً لهذا المقصد العظيم. فلو أدى العبد الصلاة منفرداً، ثم أقيمت صلاة الجماعة، فهل يعيد صلاته مع الجماعة المقامة، أم يكتفي بصلاته منفرداً؟ ورد في هذا الشأن حديثان، أحدهما: يفيد إعادة الصلاة مع الجماعة. وثانيهما: يفيد عدم إعادتها، والحديثان هما:

حديث الأمر بإعادة الصلاة لأجل الجماعة:

في "صحيح مسلم" عن أبى ذر رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كيف أنت إذا كانت عليك أمراء، يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها). قال: قلت فما تأمرني؟ قال: (صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم، فصل فإنها لك نافلة).

وفي "صحيح مسلم" أيضاً عن جابر بن عبد الله أن معاذ بن جبل كان يصلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه، فيصلى بهم تلك الصلاة.

حديث النهي عن إعادة الصلاة مرتين:

روى ابن خزيمة في "صحيحه" عن سليمان بن يسار، قال: أتيت ابن عمر رضي الله عنهما على البلاط، وهم يصلون، فقلت: ألا تصلي معهم؟ قال: قد صليت، إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين".

فظاهر هذا الحديث يخالف ما تقدم من الحديثين السابقين من جواز إعادة الصلاة لأجل الجماعة، فكيف جمع العلماء بين هذا التعارض؟

توجيه العلماء لهذا التعارض:

من العلماء: من حمل حديث النهي على مجرد الإعادة لغير موجب من حصول جماعة، أو خلل في الأولى، بل يفرغ من الأولى، ويعيدها في الوقت على جهة الفريضة. قال ابن عبد البر: "اتفق أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه على أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين) أن ذلك أن يصلي الرجل صلاة مكتوبة عليه، ثم يقوم بعد الفراغ منها فيعيدها على جهة الفرض أيضاً، وأما من صلى الثانية مع الجماعة على أنها نافلة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أمره بذلك، فليس ذلك من إعادة الصلاة في يوم مرتين؛ لأن الأولى فريضة، والثانية نافلة، فلا إعادة حينئذ".

ومنهم: من خصص عموم النهي عن إعادة الصلاة مرتين بأحاديث الأمر بالإعادة، وحينئذ يكون الأصل عدم الإعادة إلا ما خصصه الدليل، وإذا كان دليل عام ودليل خاص فلا تعارض بينهما، بل يحمل العام على الخاص وهذا أقرب الوجوه وأسلمها.

ومنهم: من حكم بأن حديث النهي عن الإعادة ناسخ لأحاديث الأمر بالإعادة، والأصل عدم النسخ حتى يثبت؛ ولأن حديث الأمر بالإعادة كان في حجة الوداع في منى، ولم يعش النبي صلى الله عليه وسلم بعده إلا شهوراً يسيرة، وأيضا استدلال ابن عمر به وهو من متأخري الصحابة، وعليه فاحتمال النسخ ضعيف، والأصل عدمه، والجمع بين الأحاديث ما دام ممكناً فهو أولى. ويقال مثل ذلك لمن ذهب إلى ترجيح حديث النهي عن الإعادة على حديث الإعادة؛ بناء على القاعدة التي تقول: إذا تعارض الأمر والنهي يُقدَّم النهي على الأمر، وهذا محجوج بما سبق من تعين الجمع بين النصوص ما أمكن؛ إذ لا يصار إلى الترجيح إلا عند عدم إمكانية الجمع، وهو هنا ممكن.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة