الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حديث الشفاعة

حديث الشفاعة

حديث الشفاعة

من الأصول المقررة في شريعتنا الغراء: ارتباط الإيمان بالعمل، ومن غير المتصور أن يوجد مؤمن وقر الإيمان في قلبه، وتمكن من العمل، ومع ذلك لم يعمل قربة قط من فريضة ولا نافلة، بل إن ذلك ضرب من الافتراضات الذهنية التي لا وجود لها في الواقع، وقد دل على ذلك نصوص الكتاب والسنة التي دلت على تلازم الإيمان بالعمل، والأدلة التي قضت بخلود الكفار في النار، وتكفير تارك بعض الاعمال كالصلاة عند بعض أهل العلم.

فكيف نجمع بين هذا وبين حديث أبي سعيد الخدري وفيه "قال: ثم يقول الله: شفعت الملائكة وشفع الأنبياء وشفع المؤمنون وبقي أرحم الراحمين، قال فيقبض قبضة من النار أو قبضتين ناسا لم يعملوا خيراً".

أوجه التوفيق بين ظاهر هذا الحديث والأدلة الأخرى:

ظاهر هذا الحديث أفاض العلماء في الكلام عنه؛ لمخالفته ظواهر النصوص الشرعية، والأصول العامة المقررة، وملخص كلامهم ما يلي:

في البداية لا بد من حمل هذا الحديث على أنه في أهل الإيمان والتوحيد؛ لصراحة الأدلة في تحريم الجنة على المشركين وسائر من مات كافرا، ويكون المراد "لم يعملوا خيرا قط" أي: زيادة على التوحيد والإيمان، ولكن لتفريطهم في العمل تفريطا ظاهرا نفى عنهم العمل مطلقا، وكأنهم لم يعملوا خيرا قط، وهو أسلوب عربي مستعمل، كما يدل عليه كلام أرباب اللغة كالإمام أبي عبيد القاسم بن سلام كما يقول "فإن قال (قائل ): كيف يجوز أن يقال ليس بمؤمن، واسم الإيمان غير زائل عنه ؟ قيل هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا كان عمله على غير حقيقته ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله: ما صنعت شيئا ولا عملت عملا، وإنما وقع معناهم هاهنا (على ) نفي التجويد، لا على الصنعة نفسها، فهو عندهم عامل بالاسم، وغير عامل في الإتقان".

وعلى فرض أن النفي على ظاهره "لم يعملوا خيرا قط" فيحمل على من أسلم ثم مات قبل التمكن من العمل، وهذا وارد كما في قصة إسلام الأصيرم بن عبد الأشهل يوم أحد فقاتل حتى استشهد ولم يصل صلاة لأنه قتل بعد إسلامه مباشرة، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إنه لمن أهل الجنة "، والحديث رواه أحمد وحسنه ابن حجر.

وقد يحمل على حال الناس آخر الزمان ، حين يفشوا الجهل ، ويندرس الدين ، وعلى هذا جاء حديث حذيفة مرفوعا" "يدرس الإسلام - كما يدرس وشي الثوب -، حتى لا يُدرى ما صيام ولا صدقة ولا نسك ، ويسري على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ، ويبقى طوائف من الناس : الشيخ الكبير والعجوز يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة : لا إله إلا الله ، فنحن نقولها".

قال صلة بن زفر لحذيفة: فم تغني عنهم لا إله إلا الله ، وهم لا يدرون ما صيام ولا صدقة ولا نسك ؟ فأعرض عنه حذيفة ، فرددها عليه ثلاثا" ، كل ذلك يعرض عنه حذيفة ، ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة تنجيهم من النار.

وانظر كيف استغرب الصحابي نجاتهم بمجرد كلمة التوحيد فقط؛ لما تقرر عندهم من تلازم الإيمان والعمل، وأن المسلم لا ينجو بأحدهما دون الآخر.

أو يكون هذا الحديث وغيره من العام المخصوص، فيخصص بأحاديث حكمت بكفر تارك بعض الأعمال بخصوصها، كالذي ورد في تكفير تارك الصلاة على خلاف في المسألة.

وبهذا يحمل الحديث على حالات خاصة، ولا يمكن أن يكون هذا الحديث أو غيره من أحاديث الشفاعة معارضا للأصول الكلية، ولا يصلح أن يكون دليلا لمن يريد الاتكاء عليه للتمرد على الأوامر الشرعية، وهو مسلك أهل الزيغ في تتبع المتشابه؛ ليتنصلوا من المحكمات الواضحة؛ ابتغاء للفتنة واتباعا للهوى.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة