![]() ![]() عالم لا يزال منقسما2019-04-04 14:49:25| الشبكة الإسلاميةعندما يختار الناس عدم الإيمان بالله، فإنهم لا يؤمنون بعد ذلك بلا شيء، إنما يصبحون قادرين على الإيمان بأي شيء" (ينسب إلى جيلبرت كيث تشيسترتون). وعلى منظور آخر، يمكن للمرء أيضا أن يرى هذا على أنه نعمة مختلطة، ويسأل نفسه عما إذا كان من غير الممكن، في خضم حياتنا الرقمية، أن يكون أحلك وأسرع انتصار لوادي السيليكون هو دمج التقنيات الشخصية التي تحسن كفاءتنا مع التقنيات الشخصية التي تغير إنسانيتنا؟ وما إذا كان لا يزال لدينا سيطرة على هذه الوتيرة السريعة للتطور بحيث نضمن نحن- والحواسيب الفائقة المستقبلية والقوية - توجيه البحث بطريقة نجني فوائد مذهلة ومستمرة من التقدم التكنولوجي مع تجنب المزالق المحتملة؟ سأل الفيلسوف الروسي بعد ذلك كيف نشأت هذه العلاقة غير المواتية للقوات، وكيف تراجع الغرب من مسيرته المنتصرة إلى مرضه (الحاضر)؟ أجاب بالقول إن الغرب وجد نفسه في مثل هذه الحالة ليس بسبب وجود تحولات قاتلة مفاجئة وفقدان في اتجاه تطورها، حيث أنه واصل التقدم اجتماعيًا وفقًا لنواياه المعلنة بمساعدة التقدم التكنولوجي الرائع. بدلاً من ذلك، الخطأ، حسب قوله، يجب أن يكون في الأساس، في أساس الفكر الإنساني في القرون الماضية. وكان يقصد على وجه التحديد النظرة الغربية السائدة للعالم والتي ولدت لأول مرة خلال عصر النهضة ووجدت تعبيرها السياسي منذ فترة التنوير، والتي "أصبحت أساسًا للحكم والعلوم الاجتماعية ويمكن تعريفها على أنها إنسانية عقلانية أو حكم ذاتي انساني: الحكم الذاتي المعلن والمنفذ للإنسان من أي قوة أعلى. يمكن أن يطلق عليه أيضًا مركزية الإنسان، حيث يُنظر إلى الإنسان على أنه مركز كل شيء موجود". في ختام كلمته - التي لا تزال ذات صلة ملفتة للنظر اليوم، بصرف النظر عن حقائق انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 وما تلاه من زوال الشيوعية - أدلى سولجينتسين بملاحظة أنه ان لم يكن العالم قد وصل الى نهايته، فقد اقترب من منعطف كبير في التاريخ "مساوٍ لأهمية التحول من العصور الوسطى إلى عصر النهضة"، وإذا أردنا إنقاذ الحياة من تدمير الذات، فيجب أن تكون هناك طفرة روحية، حيث يجب على البشر أن يرتقوا إلى نظرة جديدة لحياتهم الروحية، إلى "مستوى جديد من الحياة بحيث لن يتم لعن طبيعتنا المادية كما هو الحال في العصور الوسطى، ولكن الأهم من ذلك، لن يتم دس كائننا الروحي كما في العصر الحديث". وأكد أن هذا الصعود "سيكون مشابهًا للصعود إلى المرحلة الأنثروبولوجية التالية. لم يبق لأحد على وجه الأرض أي طريقة أخرى الا الطريقة التصاعدية (الارتقاء الروحي)". اليوم، ربما أكثر من أي وقت مضى، الإنسانية في خضم موجة من المد والجزر من التغيير. يعتقد سولجينتسين وبعض الكتّاب المبدعون والبارعون الآخرون - مثل يوفال نوح حراري وجوناه غولدبرغ وقبلهم جميعًا، الجزائري مالك بنابي – الحال الراهن هي عرض من أعراض الانتقال إلى المرحلة التالية في تاريخ البشرية. الآن، وبعد أن تم تشخيص ورطة البشرية الحالية، فإن السؤال الملح الذي يُطرح بإلحاح متزايد هو كيف يمكن للبشرية أن ترتفع إلى مستوى التحدي الكبير المتمثل في تقديم وصفة طبية لعلاج الأمراض متعددة الجوانب التي تهدد بقاءنا وفي نفس الوقت الانتقال بحكمة إلى الأمام في عالم معقد بشكل متزايد؟ في كتابه الأخير، حراري يقدم ملاحظة وهو محق أن هناك اليوم حضارة واحدة فقط في العالم. ويوضح أنه قبل عشرة آلاف سنة كانت البشرية مقسمة إلى قبائل معزولة لا تعد ولا تحصى، ولكن مع مرور كل ألف عام، اندمجت هذه المجموعات الصغير في مجموعات أكبر، وتم تكون حضارات متميزة كبرى. بعد ذلك، وبشكل بارز في الأجيال الأخيرة، تم اندماج الحضارات القليلة المتبقية في حضارة عالمية واحدة. وعلى الرغم من استمرار "الانقسامات السياسية والعرقية والثقافية والاقتصادية، إنها لا تقوض الوحدة الأساسية". برفضه للأطروحة "المضللة" لـ "تصادم الحضارات"، هو يعتقد أن الجنس البشري بات يفقد ثقته في القصة الليبرالية التي هيمنت على السياسة العالمية في العقود الأخيرة، بالضبط عندما يواجه دمج التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات أكبر التحديات التي تواجهها البشرية من أي وقت مضى. حراري مقتنع بأن "أي قصة تسعى إلى الحصول على ولاء الإنسانية سيتم اختبارها قبل كل شيء في قدرتها على التعامل مع الثورتين في تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية". وفقًا لذلك، يستنتج أنه "إذا كانت الليبرالية أو القومية أو الإسلام أو بعض العقائد الجديدة ترغب في تشكيل عالم عام 2050، فلن تحتاج فقط إلى فهم الذكاء الاصطناعي وخوارزميات البيانات الضخمة والهندسة الحيوية – ولكنها بحاجة أيضا إلى دمجها في سرد جديد ذات معنى". من جانبه، فإن جونا جولدبرج، بناء على الأبحاث والنظريات التي قام بها العشرات من علماء الاجتماع والمؤرخين والاقتصاديين، يعتبر الحالة في أمريكا والديمقراطيات الأخرى في خطر لأنهم فقدوا الرغبة في الدفاع عن القيم والمؤسسات التي تدعم الحريات والازدهار. ويقول إنه لكي يتجنب الغرب "الانتحار" ويبقى على قيد الحياة، يجب أن نجدد شعورنا بالامتنان لما قدمته لنا حضارتنا وأن نعيد اكتشاف مُثل وعادات القلب التي أخرجتنا من الوحل الدموي في الماضي، والا سنعود إلى الوحل مرة أخرى". وبعبارة أخرى، فهو يدعو إلى العودة إلى القيم الأساسية المحافظة. الخيط المشترك والمتكرر في الأفكار الكبيرة أعلاه هو الاعتقاد بأن الحضارة بلا دين مصيرها النهاية. هذه حقيقة تاريخية مثبتة تم توثيقها على نطاق واسع؛ لذلك أنا على قناعة بأن العالم لا يزال منقسمًا، ولكن ليس بالضبط على غرار خطوط الحرب الباردة لسولجينتسين. لا شك أن القرن العشرين كان مهد ومقبرة جميع الأيديولوجيات. ومرة أخرى، يأخذ التاريخ منعطفًا غير متوقع: آخر ضحاياه، وآخرهم من الماويشيين الأيديولوجيين، هي الليبرالية الآن، التي لم يمض وقت طويل - بعد أن وجهت ضربة قاضية بنجاح لمنافسها الشيوعي - بدت كأنها سوف تدوم إلى الأبد. الانقسام اليوم هو بشكل أساسي هو انقسام بين المؤمنين وغير المؤمنين. إذا كان الأمر كذلك، فالسؤال الكبير الذي يجب طرحه هو أمر لا مفر منه: كيف يمكننا أن نجد أفضل السبل والوسائل للعيش معًا في سلام، من خلال التوفيق بين العلم والعقل والإيمان، وبالتالي سد الفجوة المتسعة بشكل خطير بين هذين المكونين في الحضارة العالمية الوحيدة التي توجد اليوم في عالم سريع التغير ومترابط بإحكام؟ 1431 هـ©Islamweb.netجميع حقوق النشر محفوظة
|