الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من بدع الخوارج وضلالاتهم

من بدع الخوارج وضلالاتهم

من بدع الخوارج وضلالاتهم

المتأمل في نشأة البدع وانتشارها وتوسعها، يلحظ جليا كيف تبدأ هذه البدع صغيرة كفقع الصابون، ثم تتكاثر وتتزايد حتى تملأ الآفاق، وما ذلك إلا لوجود العامل المهيء لانتشارها، وهو الهوى والجهل وربما العناد ومضادة الدين وأهله . وفرقة الخوارج لا تخرج عن هذه القاعدة، بل يمكن اعتبارها خير مثال لها وشاهد على صحتها، فالخوارج لم يبدأ بهم الضلال إلا حينما عارضوا النص بالآراء القاصرة، وأقاموا من أهوائهم حكما على تصرفات الشارع، فجاء اعتراض ذي الخويصرة التميمي على النبي صلى الله عليه وسلم في قسمته، وقوله له : " اعدل فإنك لم تعدل " جاء ليحمل معه بصمات الانحراف الأولى للخوارج، فالاعتداد بالرأي والاعتراض به على الشرع البين، هو أول بدعة فكرية اعتنقها الخوارج الأُوَل، وسار على نهجها من جاء بعد ذي الخويصرية من الحرورية والأزارقة والنجدات وغيرهم .

ثم أضيفت إلى هذه البدعة بدع أخرى، كالقول بكفر مرتكب الكبيرة، مع أن إجماع الصحابة قائم على عدم تكفيره إلا إذا استحلها .

ثم ترتب على هذه البدعة القول بالتبري من عثمان وعلي، لأنهما - حسب زعم الخوارج - ارتكبا الكبائر فصاروا كفارا .

وكان تعميم هذا المنطق على سائر المسلمين جعل منهم هدفا مشروعا لسيوف الخوارج، فأجمعوا على أن من لم يوافقهم على أقوالهم فهو كافر حلال الدم والمال والعرض فيستباح منه ما يستباح من الكافر الحربي . فقتلوا وسفكوا دماء المسلمين، بل وبقروا بطون الحوامل، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

وبناء على هذا الانجراف والانحراف الفكري سلَّ الخوارج سيوفهم على كل من لم يوافقهم من أئمة المسلمين، فلم يسلم من قتالهم لا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولا الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، إذ كان مطلق الانحراف - وفق تصورهم - موجبا لقتال الحاكم وسفك الدماء دون أدنى مراعاة لوحدة الأمة أمام أعدائها، فكانوا بحق كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ) متفق عليه .

وكان تكفيرهم لعدد كبير من الصحابة حاجبا لهم عن معرفة أحاديث النبي صلى الله على وسلم في مسائل عظيمة، خالفوا فيها النص والإجماع، من ذلك زعم الغلاة منهم نفي حد الرجم عن الزاني المحصن، ذكرا كان أم أنثى، وقد جاء النص النبوي بإثباته، وأجمع على ذلك الصحابة والتابعون ومن بعدهم. ومن ذلك نفيهم حد القذف على من قذف محصنا من الرجال، ومن ذلك أيضاً إنكارهم عذاب القبر، وقد جاءت نصوص الشريعة من قرآن وسنة بإثباته، وأجمع على ذلك الصحابة الكرام رضي الله عنهم.

ومن بدعهم كذلك: القول بوجوب قضاء الصلاة على الحائض، فخالفوا النص والإجماع .

هذه بعض بدع الخوارج وهي كلها - كما ترى - على خلاف النص والإجماع ، وهي تدل على مدى جهل الخوارج من جهة، وعلى مدى اعتدادهم واغترارهم بأنفسهم، حينما يقفون بآرائهم المجردة أمام النص وإجماع الصحابة الكرام رضي الله عنهم .

وقد توسع الخوارج في بدعهم ولم يقفوا بها عند حد، حتى كفَّر بعضهم بعضا ، بل حكي عنهم - وهو من أشنع ما حكي - زعمهم : أن سورة يوسف ليست من القرآن ، بدعوى أنها تحتوي على حكاية عشق النساء !! وهذا جهل بالغ، وسفه فاضح، وتجرؤٌ على كتاب الله من غير علم ودراية .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة