الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 418 ] ثم دخلت سنة تسع وثمانين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها غزا مسلمة بن عبد الملك وابن أخيه العباس بلاد الروم ، فقتلا خلقا كثيرا ، وفتحا حصونا كثيرة; منها حصن سورية وعمورية وهرقلة وقمودية ، وغنما شيئا كثيرا ، وأسرا جما غفيرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها غزا قتيبة بن مسلم بلاد الصغد ونسف وكس ، وقد لقيه هنالك خلق من الأتراك ، فظفر بهم فقتلهم ، وسار إلى بخارى فلقيه دونها خلق كثير من الترك ، فقاتلهم يومين وليلتين عند مكان يقال له : خرقان . وظفر بهم ، فقال في ذلك نهار بن توسعة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وباتت لهم منا بخرقان ليلة وليلتنا كانت بخرقان أطولا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قصد قتيبة وردان خذاه ، ملك بخارى ، فقاتله وردان قتالا شديدا ، فلم يظفر به قتيبة ، فرجع عنه إلى مرو ، فجاءه كتاب الحجاج يعنفه على الفرار [ ص: 419 ] والنكول عن أعداء الإسلام ، وكتب إليه أن يبعث بصورة هذا البلد يعني بخارى فبعث إليه بصورتها فكتب إليه; أن ارجع إليها وتب إلى الله من ذنبك ، وائتها من مكان كذا وكذا ، ورد وردان خذاه ، وإياك والتحويط ، ودعني وبنيات الطريق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة ولى الوليد بن عبد الملك إمرة مكة لخالد بن عبد الله القسري ، فحفر بئرا بأمر الوليد عند ثنية طوى وثنية الحجون ، فجاءت عذبة الماء طيبة ، وكان يستقي الناس منها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الواقدي ، حدثني عمر بن صالح ، عن نافع مولى بني مخزوم ، قال : سمعت خالد بن عبد الله القسري يقول على منبر مكة ، وهو يخطب الناس : أيها الناس ، أيهما أعظم خليفة : الرجل على أهله ، أم رسوله إليهم؟ والله لو لم تعلموا فضل الخليفة إلا أن إبراهيم خليل الرحمن استسقاه فسقاه ملحا أجاجا ، واستسقى الخليفة فسقاه عذبا فراتا . يعني البئر التي احتفرها بالثنيتين; ثنية طوى وثنية الحجون فكان ينقل ماؤها فيوضع في حوض من أدم إلى جنب زمزم; ليعرف فضله على زمزم . قال : ثم غارت تلك البئر فذهب ماؤها ، فلا يدرى أين هو إلى اليوم . وهذا الإسناد غريب ، وهذا الكلام يتضمن كفرا إن صح عن قائله ، وعندي أن خالد بن عبد الله القسري لا يصح عنه هذا الكلام ، وإن صح فهو عدو الله . وقد قيل عن الحجاج بن يوسف نحو هذا [ ص: 420 ] الكلام; من أنه جعل الخليفة أفضل من الرسول الذي أرسله الله ، وكل هذه الأقوال تتضمن كفر قائلها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة غزا مسلمة الترك حتى بلغ الباب من ناحية أذربيجان ، وفتح حصونا ومدائن هنالك ، وحج بالناس فيها عمر بن عبد العزيز . قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي : وفي هذه السنة فتحت صقلية وميورقة . وقيل : منورقة . وهما في البحر بين جزيرة صقلية وحداره من بلاد الأندلس ، وفيها سير موسى بن نصير ولده إلى النقريس ملك الفرنج ، فافتتح بلادا كثيرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية