الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 147 ] ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وستمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها التقى الملك جلال الدين بن خوارزم شاه الخوارزمي مع الكرج ، فكسرهم كسرة عظيمة ، وصمد إلى أكبر معاقلتهم تفليس ، ففتحها عنوة ، وقتل من فيها من الكفرة ، وسبى ذراريهم ، ولم يتعرض لأحد من المسلمين الذين كانوا بها . واستقر ملكه عليها ، وقد كان الكرج أخذوها من المسلمين في سنة خمس عشرة وخمسمائة ، وهي بأيديهم إلى الآن حتى استنقذها منهم جلال الدين هذا ، فكان فتحا عظيما ، ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها سار إلى خلاط ليأخذها من نائب الملك الأشرف ، فلم يتمكن من أخذها ، وقاتله أهلها قتالا عظيما ، فرجع عنهم بسبب اشتغاله بعصيان نائبه بمدينة كرمان وخلافه له ، فسار إليه وتركهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها اصطلح الملك الأشرف مع أخيه المعظم ، وسار إليه إلى دمشق ، وكان المعظم ممالئا عليه مع جلال الدين وصاحب إربل وصاحب ماردين وصاحب الروم ، وكان مع الأشرف أخوه الكامل وصاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ ، ثم استمال أخاه المعظم إلى ناحيته فقوي جانبه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 148 ] وفيها كان قتال كبير بين برنس أنطاكية وبين الأرمن ، وجرت خطوب كثيرة بينهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أوقع الملك جلال الدين بالتركمان الإيوانية بأسا شديدا ، وكانوا يقطعون الطريق على المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قدم محيي الدين يوسف بن الشيخ جمال الدين بن الجوزي من بغداد في الرسلية إلى الملك المعظم بدمشق ، ومعه الخلع والتشاريف لأولاد العادل من الخليفة الظاهر بأمر الله ، ومضمون الرسالة نهيه عن موالاة جلال الدين بن خوارزم شاه ، فإنه خارجي من عزمه قتال الخليفة وأخذ بغداد منهم ، فأجابه إلى ذلك ، وركب القاضي محيي الدين بن الجوزي إلى الملك الكامل بالديار المصرية ، وكان ذلك أول قدومه إلى الشام ومصر ، وحصل له جوائز كثيرة من الملوك ، منها كان بناء المدرسة الجوزية بالنشابين بدمشق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ولي تدريس الشبلية بالسفح شمس الدين يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي بمرسوم الملك المعظم ، وحضر عنده أول يوم القضاة والأعيان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية