الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          وقد روي عن مالك : إن صلت أم الولد بلا خمار أعادت في الوقت ، وقد روينا عن ابن عباس في { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } [ ص: 252 ] قال : الكف ، والخاتم ، والوجه . وعن ابن عمر : الوجه ، والكفان ، وعن أنس : الكف ، والخاتم وكل هذا عنهم في غاية الصحة ، وكذلك أيضا عن عائشة وغيرها من التابعين قال علي : فإن قالوا : قد جاء الفرق في الحدود بين الحرة والأمة . قلنا : نعم ، وبين الحر والعبد ; فلم ساويتم بين الحر والعبد فيما هو منهما عورة في الصلاة ، وفرقتم بين الحرة والأمة فيما هو منهما عورة في الصلاة ، وقد صح الإجماع والنص على وجوب الصلاة على الأمة كوجوبها على الحرة في جميع أحكامها ، من الطهارة ، والقبلة ، وعدد الركوع ، وغير ذلك ، فمن أين وقع لكم الفرق بينهما في العورة وهم أصحاب قياس بزعمهم ، وهذا مقدار قياسهم ، الذي لا شيء أسقط منه ولا أشد تخاذلا ، فلا النص اتبعوا ولا القياس عرفوا ، وبالله تعالى التوفيق . قال علي : فإن قيل : فلم فرقتم أنتم بين من اضطر المرء إليه بعدم أو إكراه في الصلاة مكشوف العورة ، وفي مكان فيه ما افترض عليه اجتنابه ، أو في ثيابه ، أو في جسده ; فأجزتم صلاته كذلك - : وبين صلاته كذلك ناسيا فلم تجيزوها . قلنا : نعم ، فإن النصوص قد جاءت بأن كل ما نسيه المرء من أعمال صلاته فإنه لا تجزئه صلاته دونها ; وأنه لا بد له من إتيانها ; كمن نسي الطهارة ، أو التكبير ، أو القيام ; أو السجود ، أو الركوع ، أو الجلوس . ولا خلاف في أن من نسي فعوض القعود مكان القيام في الصلاة ، أو القيام مكان القعود ، أو الركوع مكان السجود - : فإنه لا يجزئه ذلك . وقد { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسي صلاة ، أو نام عنها أن يصليها } ; وبعض الصلاة صلاة بلا خلاف ; فمن لم يأت بهما كما أمر ناسيا فقد نسي من صلاته جزءا وأتى بما ليس صلاة ، إذ صلى بخلاف ما أمر ; فمن ههنا أوجبنا على الناسي أن يأتي بما نسي كما أمر وأجزنا صلاته كذلك في الإكراه بغلبة أو عدم ; للنصوص الواردة بجواز كل ما ذكرنا في عدم القوة . [ ص: 253 ] فإن قيل : إن { رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل في الصلاة فأتاه جبريل عليه السلام فأعلمه أن في نعليه قذرا ; فخلعهما وتمادى في صلاته } . قلنا : نعم ، وإنما حرم ذلك عليه حين أخبره جبريل عليه السلام لا قبل ذلك ; فكان ابتداؤه الصلاة كذلك جائزا ، وقال عليه السلام في آخر ذلك الحديث إذ سلم كلاما معناه : { إذا جاء أحدكم إلى الصلاة فلينظر نعليه - أو قال خفيه - فإن رأى فيها شيئا فليحكه وليصل فيهما } وكان هذا الحكم واردا بعد تلك الصلاة . فمن صلى ولم يتأمل نعليه ، أو خفيه ، وكان فيهما أذى فقد صلى بخلاف ما أمر به - وبالله تعالى التوفيق . وقال أبو حنيفة : العورة تختلف ; فهي من الرجال : ما بين السرة إلى الركبة والركبة عورة ، والسرة ليست عورة . وهي من الحرة : جميع جسدها ، حاشا الوجه ، والكفين ، والقدمين . وهي من الأمة كالرجل سواء سواء ; فتصلي الأمة ، وأم الولد ، والمدبرة : عندهم عريانة الرأس ، والجسد كله ، حاشا مئزرا يستر ما بين سرتها وركبتها فقط ، لا كراهة عندهم في ذلك . قال : وأحكام العورات تختلف ; فإذا انكشف من الرجل أكثر من قدر الدرهم البغلي من ذكره ; أو من المرأة من فرجها ، في حال استقبالهما الافتتاح للصلاة ; أو في حال استقبالهما الركوع ; أو في حال استقبالهما القيام : بطلت صلاتهما ، فإن انكشف هذا المقدار من ذكره ، أو من فرجها ، في حال القيام ، أو في حال الركوع ، أو في حال السجود ، فسترا ذلك حين انكشافه - : لم يضر ذلك صلاتهما شيئا . فإن انكشف من ذكره ، أو من فرجها ، في كل ما ذكرنا قدر الدرهم البغلي فأقل : لم يضر ذلك صلاتهما شيئا . طال ذلك أم قصر . [ ص: 254 ] فإن انكشف من فخذ الرجل ، أو الأمة ، أو الحرة ، أو مقاعدهما ، أو وركيهما ، أو من جميع أعضاء الحرة : الصدر ، أو البطن ، أو الظهر ، أو الشعر ، أو العنق - : مقدار ربع العضو فأكثر - : بطلت الصلاة عند أبي حنيفة ومحمد . فإن انكشف من كل ذلك أقل من الربع لم يضر الصلاة شيئا . وقال أبو يوسف : لا تبطل الصلاة إلا أن ينكشف مما عدا الفرج أكثر من نصف العضو ، قال أبو حنيفة : فإن أعتقت أمة في الصلاة فإنها تأخذ قناعها وتستتر ، وتبني على ما مضى من صلاتها ، فإن بدأ الرجل الصلاة عريانا لضرورة ثم وجد ثوبا فإن صلاته تبطل ; ويلزمه أن يبتدئها ولا بد ، وسواء كان وجوده الثوب في أول صلاته أو في آخرها ، ولو قعد مقدار التشهد ، ما لم يسلم هذا مع قوله : إن المصلي إذا قعد مقدار التشهد ثم أحدث عامدا أو ناسيا فقد تمت صلاته ولا شيء عليه ، فصار وجوب الثوب أعظم عنده من البول أو الغائط ، قال : فلو زحم المأموم حتى وقع إزاره وبدا فرجه كله فبقي واقفا كما هو حتى تمت صلاة الإمام - : فصلاة ذلك المأموم تامة ، فلو ركع بركوع الإمام أو سجد بسجوده : بطلت صلاته ، قال علي : فهل لهذه الأقوال دواء أو معارضة إلا حمد الله تعالى على السلامة منها ؟ وهل يحصى ما فيها من التخليط إلا بكلفة ، وقال مالك : الأمة عورة كالحرة ; حاشا شعرها فقط ; فليس عورة ; فإن انكشف شعر الحرة أو صدرها أو ساقها في الصلاة لم تعد إلا في الوقت . قال علي : ولا ندري قوله في الفرج ; وما نراه يرى الإعادة من ذلك إلا في الوقت ; وقد تقدم إفسادنا لقوله بالإعادة في الوقت فيما سلف من كتابنا هذا ; فأغنى عن إعادته ، ولا فرق عنده بين نسيان وعمد في ذلك ، وقال الشافعي : إن انكشف من عورة الرجل - وهي ما بين سرته إلى ركبته - أو عورة المرأة - وهو جميع جسد الحرة ، والأمة ، حاشا شعر الأمة ووجهها ، ووجه الحرة [ ص: 255 ] وكفيها ، وكفي الأمة - : شيء قل أو كثر ; فإن ستر في الوقت لم يضر شيئا والصلاة تامة ; وإن بقي مقدار ما - قل أو كثر - ولم يغط : بطلت الصلاة - النسيان والعمد سواء . قال علي : وهذا تقسيم لا دليل عليه . وقال أبو سليمان : النسيان في ذلك مرفوع ; فإن انكشف شيء من العورة عمدا بطلت الصلاة .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية