الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 505 ] ( ثم يرفع رأسه مكبرا ويكفي فيه ) مع الكراهة ( أدنى ما يطلق عليه اسم الرفع ) كما صححه في المحيط لتعلق الركنية بالأدنى كسائر الأركان ، بل لو سجد على لوح فنزع فسجد بلا رفع أصلا صح وصحح في الهداية أنه إن كان إلى القعود أقرب صح وإلا لا ورجحه في النهر والشرنبلالية ثم السجدة الصلاتية تتم بالرفع عند محمد وعليه الفتوى كالتلاوية اتفاقا مجمع ( ويجلس بين السجدتين مطمئنا ) لما مر ، ويضع يديه على فخذيه كالتشهد منية المصلي ( وليس بينهما ذكر مسنون ، وكذا ) ليس ( بعد رفعه من الركوع ) دعاء ، وكذا لا يأتي في ركوعه وسجوده بغير التسبيح ( على المذهب ) وما ورد . [ ص: 506 ] محمول على النفل ( ويكبر ويسجد ) ثانية ( مطمئنا ويكبر للنهوض ) على صدور قدميه ( بلا اعتماد وقعود ) استراحة ولو فعل لا بأس . ويكره تقديم إحدى رجليه عند النهوض ( والركعة الثانية كالأولى ) فيما مر ( غير أنه لا يأتي بثناء ولا تعوذ فيها ) إذ لم يشرعا إلا مرة .

التالي السابق


( قوله مع الكراهة ) أي أشد الكراهة كما في شرح المنية ( قوله بل لو سجد إلخ ) المناسب هنا التفريع لأن هذا مفرع على القول بأن الرفع سنة وإن كانت السجدة الثانية فرضا لتحققها بدونه في هذه الصورة وكذا يتفرع على القول بالوجوب الذي رجحه في الفتح والحلية ، بخلاف القول بالفرضية الذي صححه في الهداية فافهم ( قوله صح وإلا لا ) علله في الهداية بأن ما قرب من الشيء يعطى حكمه ( قوله ورجحه في النهر إلخ ) قال في الخزائن : وفي الشرنبلالية عن البرهان أنه الأصح عن الإمام . وفي النهر أنه الذي ينبغي التعويل عليه ، وعليه اقتصر الباقاني . ا هـ . ( قوله تتم بالرفع عند محمد ) وعند أبي يوسف بالوضع ; وثمرة الخلاف فيما لو أحدث وهو ساجد فذهب وتوضأ يعيد السجدة عند محمد لا عند أبي يوسف ، وفيما إذا لم يقعد على الرابعة وأحدث في السجدة الأولى من الخامسة توضأ وقعد عند محمد وبطلت عند أبي يوسف ح . أقول : وانظر قول أبي يوسف المذكور مع قوله بفرضية القعدة بين السجدتين والطمأنينة فيها فإنه يستلزم فرضية الرفع فتأمل . ثم ظهر أن الرفع المذكور فرض مستقل عنده لا متمم للسجدة ، كذا أفاده شيخنا حفظه الله تعالى ( قوله كالتلاوية ) حتى لو تكلم فيها أو أحدث فعليه إعادتها ابن ملك عن الخانية ( قوله مطمئنا ) أي بقدر تسبيحة كما في متن الدرر والسراج ، وهل هذا بيان لأكثره أو لأقله ؟ الظاهر الأول بدليل قول المصنف وليس بينهما ذكر مسنون وقدمنا في الواجبات عن ط أنه لو أطال هذه الجلسة أو قومة الركوع أكثر من تسبيحة بقدر تسبيحة ساهيا يلزمه سجود السهو . ا هـ . وقدمنا ما فيه تأمل ( قوله لما مر ) أي من أنه سنة أو واجب أو فرض ح ( قوله وليس بينهما ذكر مسنون ) قال أبو يوسف : سألت الإمام أيقول الرجل إذا رفع رأسه من الركوع والسجود اللهم اغفر لي ؟ قال : يقول ربنا لك الحمد وسكت ، ولقد أحسن في الجواب إذ لم ينه عن الاستغفار نهر وغيره .

أقول : بل فيه إشارة إلى أنه غير مكروه إذ لو كان مكروها لنهى عنه كما ينهى عن القراءة في الركوع والسجود وعدم كونه مسنونا لا ينافي الجواز كالتسمية بين الفاتحة والسورة ، بل ينبغي أن يندب الدعاء بالمغفرة بين السجدتين خروجا من خلاف الإمام أحمد لإبطاله الصلاة بتركه عامدا ولم أر من صرح بذلك عندنا ، لكن صرحوا باستحباب مراعاه الخلاف ، والله أعلم ( قوله وما ورد إلخ ) فمن الوارد في الركوع والسجود ما في صحيح مسلم { أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع قال : اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي ، وإذا سجد قال : اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت ، سجد وجهي للذي . [ ص: 506 ] خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين } والوارد في الرفع من الركوع أنه كان يزيد { ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد } رواه مسلم وأبو داود وغيرهما .

وبين السجدتين { اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني } رواه أبو داود ، وحسنه النووي وصححه الحاكم ، كذا في الحلية ( قوله محمول على النفل ) أي تهجدا أو غيره خزائن . وكتب في هامشه : فيه رد على الزيلعي حيث خصه بالتهجد . ا هـ . ثم الحمل المذكور صرح به المشايخ في الوارد في الركوع والسجود ، وصرح به في الحلية في الوارد في القومة والجلسة وقال على أنه إن ثبت في المكتوبة فليكن في حالة الانفراد ، أو الجماعة والمأمومون محصورون لا يتثقلون بذلك كما نص عليه الشافعية ، ولا ضرر في التزامه وإن لم يصرح به مشايخنا فإن القواعد الشرعية لا تنبو عنه ، كيف والصلاة والتسبيح والتكبير والقراءة كما ثبت في السنة . ا هـ . ( قوله بلا اعتماد إلخ ) أي على الأرض قال في الكفاية : أشار به إلى خلاف الشافعي في موضعين : أحدهما يعتمد بيديه على ركبتيه عندنا وعنده على الأرض . والثاني الجلسة الخفيفة . قال شمس الأئمة الحلواني : الخلاف في الأفضل حتى لو فعل كما هو مذهبنا لا بأس به عند الشافعي ، ولو فعل كما هو مذهبه لا بأس به عندنا كذا في المحيط . ا هـ . قال في الحلية : والأشبه أنه سنة أو مستحب عند عدم العذر ، فيكره فعله تنزيها لمن ليس به عذر . ا هـ . وتبعه في البحر وإليه يشير قولهم لا بأس فإنه يغلب فيما تركه أولى .

أقول : ولا ينافي هذا ما قدمه الشارح في الواجبات حيث ذكر منها ترك قعود قبل ثانية ورابعة لأن ذاك محمول على القعود الطويل ولذا قيدت الجلسة هنا بالخفيفة تأمل ( قوله فيما مر ) أي من الأركان والواجبات والسنن بحر




الخدمات العلمية