الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب أن المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها

                                                                                                                                            525 - ( عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار } . رواه الخمسة إلا النسائي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أخرجه أيضا ابن خزيمة والحاكم ، وأعله الدارقطني بالوقف وقال : إن وقفه أشبه ، وأعله الحاكم بالإرسال ، ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أبي قتادة بلفظ : { لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها ، ولا من جارية بلغت الحيض حتى تختمر } . قوله : ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ) قد تقدم الكلام على لفظ القبول وما يدل عليه . والحائض : من بلغت سن المحيض لا من هي ملابسة للحيض فإنها ممنوعة من الصلاة ، وهو مبين في رواية ابن خزيمة في صحيحه بلفظ : { لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار }

                                                                                                                                            وقوله : ( إلا بخمار ) هو بكسر الخاء ما يغطى به رأس المرأة ، قال صاحب المحكم : الخمار : النصيف ، وجمعه أخمرة وخمر . والحديث استدل به على وجوب ستر المرأة لرأسها حال الصلاة ، واستدل به من سوى بين الحرة والأمة [ ص: 80 ] في العورة لعموم ذكر الحائض ، ولم يفرق بين الحرة والأمة هو قول أهل الظاهر . وفرقت العترة والشافعي وأبو حنيفة والجمهور بين عورة الحرة والأمة فجعلوا عورة الأمة ما بين السرة والركبة كالرجل

                                                                                                                                            والحجة لهم ما رواه أبو داود والدارقطني وغيرهما ، وقد ذكرنا لفظ الحديث في شرح حديث أبي موسى المتقدم في الباب الذي قبل هذا ، وبما رواه أبو داود أيضا بلفظ { : إذا زوج أحدكم عبده أمته فلا ينظر إلى عورتها } قالوا : والمراد بالعورة المذكورة في هذا الحديث ما صرح ببيانه في الحديث الأول . وقال مالك : الأمة عورتها كالحرة حاشا شعرها فليس بعورة ، وكأنه رأى العمل في الحجاز على كشف الإماء لرءوسهن ، هكذا حكاه عنه ابن عبد البر في الاستذكار . قال العراقي في شرح الترمذي : والمشهور عنه أن عورة الأمة كالرجل

                                                                                                                                            وقد اختلف في مقدار عورة الحرة فقيل جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين وإلى ذلك ذهب الهادي والقاسم في أحد قوليه والشافعي في أحد أقواله وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه ومالك . وقيل : والقدمين وموضع الخلخال وإلى ذلك ذهب القاسم في قول وأبو حنيفة في رواية عنه والثوري وأبو العباس وقيل : بل جميعها إلا الوجه ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل وداود . وقيل : جميعها بدون استثناء ، وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي وروي عن أحمد . وسبب اختلاف هذه الأقوال ما وقع من المفسرين من الاختلاف في تفسير قوله تعالى: { إلا ما ظهر منها } وقد استدل بهذا الحديث على أن ستر العورة شرط في صحة الصلاة لأن قوله " لا يقبل " صالح للاستدلال به على الشرطية كما قيل

                                                                                                                                            وقد اختلف في ذلك ، فقال الحافظ في الفتح : ذهب الجمهور إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة قال : وعن بعض المالكية التفرقة بين الذاكر والناسي ، ومنهم من أطلق كونه سنة لا يبطل تركها الصلاة ا هـ .

                                                                                                                                            احتج الجمهور بقوله تعالى : { خذوا زينتكم عند كل مسجد } وبما أخرجه البخاري تعليقا ووصله في تاريخه ، وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان عن سلمة بن الأكوع قال : { قلت : يا رسول الله إني رجل أتصيد أفأصلي في القميص الواحد ؟ قال : نعم زره ، ولو بشوكة } وسيأتي الكلام على هذا الحديث في باب من صلى في قميص غير مزرر . وبحديث بهز بن حكيم المتقدم في أول هذه الأبواب . ويجاب عن هذه الأدلة بأن غايتها إفادة الوجوب

                                                                                                                                            وأما الشرطية التي يؤثر عدمها في عدم المشروط فلا تصلح للاستدلال بها عليها ; لأن الشرط حكم وضعي شرعي لا يثبت بمجرد الأوامر نعم يمكن الاستدلال للشرطية بحديث الباب والحديث الآتي بعده وبحديث أبي قتادة عند الطبراني بلفظ { : لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها ، ولا جارية بلغت المحيض حتى تختمر } لكن لا يصفو الاستدلال بذلك عن شوب كدر ; لأنه أولا يقال : نحن نمنع أن نفي القبول يدل على الشرطية ; لأنه قد نفى القبول [ ص: 81 ] عن صلاة الآبق ، ومن في جوفه الخمر ومن يأتي عرافا مع ثبوت الصحة بالإجماع

                                                                                                                                            وثانيا بأن غاية ذلك أن الستر شرط لصحة صلاة المرأة ، وهو أخص من الدعوى ، وإلحاق الرجال بالنساء لا يصح ههنا لوجود الفارق ، وهو ما في تكشف المرأة من الفتنة ، وهذا معنى لا يوجد في عورة الرجل . وثالثا : بحديث سهل بن سعد عند الشيخين وأبي داود والنسائي بلفظ { : كان الرجال يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم عاقدين أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان ، ويقال للنساء لا ترفعن رءوسكن حتى تستوي الرجال جلوسا } زاد أبو داود : { من ضيق الأزر } وهذا يدل على عدم وجوب الستر فضلا عن شرطيته ، ورابعا : بحديث عمرو بن سلمة وفيه { فكنت أؤمهم وعلي بردة مفتوقة فكنت إذا سجدت تقلصت عني }

                                                                                                                                            وفي رواية . { خرجت استي ، فقالت امرأة من الحي : ألا تغطوا عنا است قارئكم } . الحديث أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي فالحق أن ستر العورة في الصلاة واجب فقط كسائر الحالات لا شرط يقتضي تركه عدم الصحة

                                                                                                                                            ، وقد احتج القائلون لعدم الشرطية على مطلوبهم بحجج فقهية واهية ، منها قولهم لو كان الستر شرطا في الصلاة لاختص بها ولافتقر إلى النية ولكان العاجز العريان ينتقل إلى بدل كالعاجز عن القيام ينتقل إلى القعود ، والأول منقوض بالإيمان ، فهو شرط في الصلاة ولا يختص بها ، والثاني : باستقبال القبلة فإنه غير مفتقر إلى النية ، والثالث : بالعاجز عن القراءة والتسبيح فإنه يصلي ساكتا .

                                                                                                                                            526 - ( وعن أم سلمة { أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار ؟ ، قال : إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها } . رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            527 - ( وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة : فكيف يصنع النساء بذيولهن ؟ قال : يرخين شبرا قالت : إذن ينكشف أقدامهن ، قال فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه } . رواه النسائي والترمذي وصححه ، ورواه أحمد ولفظه { : أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألنه عن الذيل ، فقال اجعلنه شبرا فقلن : إن شبرا لا يستر من عورة فقال اجعلنه ذراعا } ) .

                                                                                                                                            حديث أم سلمة أخرجه أيضا الحاكم وأعله عبد الحق بأن مالكا وغيره رووه موقوفا . قال الحافظ : هو الصواب ، ولكنه قد قال الحاكم : إن رفعه صحيح على شرط البخاري ا هـ

                                                                                                                                            وفي إسناده عبد الرحمن بن دينار وفيه مقال . قال في التقريب : صدوق يخطئ من [ ص: 82 ] السابعة . قال أبو داود : روى هذا الحديث مالك بن أنس وبكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر وابن أبي ذئب وابن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة لم يذكر واحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم قصروا به عن أم سلمة ا هـ .

                                                                                                                                            والرفع زيادة لا ينبغي إلغاؤها كما هو مصطلح أهل الأصول ، وبعض أهل الحديث ، وهو الحق ، وحديث ابن عمر هو للجماعة كلهم بدون قول أم سلمة ، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم عليها وسيأتي الكلام عليه في باب الرخصة في اللباس الجميل من كتاب اللباس

                                                                                                                                            وقد استدل بحديث أم سلمة فإن في بعض ألفاظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : { لا بأس إذا كان الدرع سابغا } . . . إلخ كما في التلخيص على أن ستر بدن المرأة من شروط صحة الصلاة لأن تقييد نفي البأس بتغطية القدمين مشعر أن البأس فيما عداه ، وليس إلا فساد الصلاة ، وأنت خبير بأن هذا الإشعار لو سلم لم يستلزم حصر البأس في الإفساد ; لأن نقصان الأجر الموجب لنقص الصلاة وعدم كمالها مع صحتها بأس ، ولو سلم ذلك الاستلزام فغايته أن يفيد الشرطية في النساء كما عرفت مما سلف .

                                                                                                                                            وفي هذا الحديث دليل لمن لم يستثن القدمين من عورة المرأة ; لأن قوله : " يغطي ظهور قدميها " يدل على عدم العفو ، وهكذا استدل من قال بالشرطية بما في حديث ابن عمر من قوله صلى الله عليه وسلم { يرخين شبرا }

                                                                                                                                            وقوله { يرخينه ذراعا } وهو كما عرفت غير صالح للاستدلال به على الشرطية المدعاة ، وغاية ما فيه أن يدل على وجوب ذلك .

                                                                                                                                            وفيه أيضا حجة لمن قال : إن قدمي المرأة عورة . قوله : ( في درع ) هو قميص المرأة الذي يغطي بدنها ورجليها ، ويقال له سابغ إذا طال من فوق إلى أسفل . قوله : ( يرخين شبرا ) قال ابن رسلان : الظاهر أن المراد بالشبر والذراع أن يكون هذا القدر زائدا على قميص الرجل لا أنه زائد على الأرض . .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية