الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ( 73 ) )

يقول تعالى ذكره : ( وإذا تتلى ) على الناس ( آياتنا ) التي أنزلناها على رسولنا محمد ( بينات ) ، يعني واضحات لمن تأملها وفكر فيها أنها أدلة على ما جعلها الله أدلة عليه لعباده ، ( قال الذين كفروا ) بالله وبكتابه وآياته ، وهم قريش ، ( للذين آمنوا ) فصدقوا به ، وهم أصحاب محمد ( أي الفريقين خير مقاما ) يعني بالمقام : موضع إقامتهم ، وهي مساكنهم ومنازلهم ( وأحسن نديا ) وهو المجلس ، يقال منه : ندوت القوم أندوهم ندوا : إذا جمعتهم في مجلس ، ويقال : هو في ندي قومه وفي ناديهم : بمعنى واحد ، ومن الندي قول حاتم : [ ص: 239 ]


ودعيت في أولي الندي ولم ينظر إلي بأعين خزر



وتأويل الكلام : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ، قال الذين كفروا للذين آمنوا : أي الفريقين منا ومنكم أوسع عيشا ، وأنعم بالا وأفضل مسكنا ، وأحسن مجلسا ، وأجمع عددا وغاشية في المجلس ، نحن أم أنتم؟

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، قوله ( خير مقاما وأحسن نديا ) قال : المقام : المنزل ، والندي : المجلس .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي عن شعبة ، عن سليمان ، عن أبى ظبيان ، عن ابن عباس بمثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ) قال : المقام : المسكن ، والندي ، المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها ، وهو كما قال الله لقوم فرعون ، حين أهلكهم وقص شأنهم في القرآن فقال ( كم تركوا من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين ) فالمقام : المسكن والنعيم ، والندي : المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه ، وقال الله فيما قص على رسوله في أمر لوط إذ قال ( وتأتون في ناديكم المنكر ) ، والعرب تسمي المجلس : النادي . [ ص: 240 ]

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( وأحسن نديا ) يقول : مجلسا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( أي الفريقين ) قال : قريش تقولها لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ( وأحسن نديا ) قال : مجالسهم ، يقولونه أيضا .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ) رأوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في عيشهم خشونة ، وفيهم قشافة ، فعرض أهل الشرك بما تسمعون . قوله ( وأحسن نديا ) يقول : مجلسا .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ) قال : الندي ، المجلس ، وقرأ قول الله تعالى ( فليدع ناديه ) قال : مجلسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية