الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        من لا يقدر على قراءة الفاتحة ، يلزمه كسب القدرة بتعلم ، أو توسل إلى مصحف ، يقرؤها منه بشراء أو إجارة أو استعارة .

                                                                                                                                                                        فإن كان في ليل أو ظلمة لزمه تحصيل السراج عند الإمكان . فلو امتنع من ذلك عند الإمكان ، لزمه إعادة كل صلاة صلاها قبل أن يقرأها .

                                                                                                                                                                        فإن تعذرت الفاتحة لتعذر التعلم لضيق الوقت أو بلادته أو عدم المعلم والمصحف ، أو غير ذلك ، لم يجز ترجمة الفاتحة ، بل ينظر ؛ إن أحسن قرآنا غير الفاتحة ، لزمه قراءة سبع آيات ، ولا يجزئه دون سبع وإن كانت آيات طوالا .

                                                                                                                                                                        وهل يشترط مع ذلك أن [ ص: 245 ] لا ينقص حروف كل الآيات عن حروف الفاتحة ؟ فيه أوجه : أصحها يشترط أن يكون جملة الآيات السبع ، بقدر حروف الفاتحة ، ولا يمتنع أن يجعل آيتين مقام آية .

                                                                                                                                                                        والثاني : أنه يجب أن يعدل حروف كل آية من حروف آية من الفاتحة على الترتيب ، فتكون مثلها أو أطول ، والثالث : يكفي سبع آيات ناقصات الحروف ، كما يكفي صوم يوم قصير عن طويل .

                                                                                                                                                                        ثم إن أحسن سبع آيات متوالية بالشرط المذكور ، لم يجز العدول إلى المتفرقة ، وإن لم يحسن إلا متفرقة أتى بها ، واستدرك إمام الحرمين فقال : لو كانت الآية المفردة لا تفيد معنى منظوما إذا قرئت وحدها ، كقوله تعالى : ( ثم نظر ) [ المدثر : 21 ] فيظهر أن لا نأمره بقراءة هذه الآيات المتفرقة ، ونجعله كمن لا يحسن قراءة أصلا .

                                                                                                                                                                        قلت : قد قطع جماعة بأن تجزئه الآيات المتفرقة وإن كان يحسن المتوالية ، سواء فرقها من سورة أو سور ؛ منهم القاضي أبو الطيب ، وأبو علي البندنيجي ، وصاحب ( البيان ) وهو المنصوص في ( الأم ) وهو الأصح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        أما لو كان الذي يحسنه دون السبع ، كآية أو آيتين ، فوجهان : أصحهما يقرأ ما يحسنه ، ويأتي بالذكر عن الباقي ، والثاني : يكرر ما يحفظه حتى يبلغ قدر الفاتحة . أما الذي لا يحسن شيئا من القرآن ، فيجب عليه أن يأتي بالذكر كالتسبيح والتهليل ، وفي الذكر الواجب أوجه : أحدها يتعين أن يقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ويكفيه هذه الكلمات الخمس .

                                                                                                                                                                        والثاني : أنها تتعين ، ويجب معها كلمتان من الذكر ، ليصير سبعة أنواع مقام سبع آيات ، والمراد بالكلمات أنواع الذكر لا ألفاظ مفردة .

                                                                                                                                                                        والثالث وهو الأصح : أنه لا يتعين شيء من الذكر ، ولكن هل يشترط أن لا ينقص حروف ما أتى به من حروف الفاتحة ؟ [ ص: 246 ] وجهان :

                                                                                                                                                                        الأصح : يشترط . قال إمام الحرمين : ولا يراعي هنا إلا الحروف ، بخلاف ما إذا أحسن قراءة غير الفاتحة ، فإنه يراعي الآيات ، وفي الحروف الخلاف .

                                                                                                                                                                        وقال في ( التهذيب ) : يجب سبعة أنواع من الذكر . يقام كل نوع مقام آية ، وهذا أقرب ، وهل الدعاء المحض كالذكر ؟ فيه تردد للشيخ أبي محمد .

                                                                                                                                                                        قال إمام الحرمين : والأشبه أن ما يتعلق بأمور الآخرة ، يقوم دون ما يتعلق بالدنيا .

                                                                                                                                                                        ويشترط أن لا يقصد بالذكر المأتي به شيئا آخر سوى البدلية ، كمن استفتح ، أو تعوذ على قصد تحصيل سنتهما ، ولكن لا يشترط قصد البدلية فيهما ، ولا في غيرهما من الأذكار على الأصح . أما إذا لم يحسن شيئا من القرآن ولا الذكر ، فعليه أن يقوم بقدر الفاتحة ثم يركع ، ولو أحسن بعض الفاتحة ولم يحسن بدلا ، وجب تكرير ما أحسن قدر الفاتحة ، وإن أحسن لباقيها بدلا فوجهان : وقيل : قولان : أحدهما يكرره ، وأصحهما يأتي به وببدل الباقي ؛ فعلى هذا ، لو أحسن النصف الثاني من الفاتحة دون الأول ، أتى بالذكر بدلا عن النصف الأول ، ثم يأتي بالنصف الثاني . فلو عكس ، لم يجز على الصحيح .

                                                                                                                                                                        وأما إذا قلنا : يكرر ما يحسنه ، فيكرر المحفوظ مرة بدلا ، ومرة أصلا .

                                                                                                                                                                        ولو كان يحسن النصف الأول ، كرره على الوجه الأول ، وأما على الأصح : فيأتي به ، ثم بالذكر بدلا . هذا كله إذا استمر العجز ، فلو تمكن من قراءة الفاتحة في أثناء الصلاة ، بتلقين ، أو مصحف ، أو غيرهما ، فإن كان قبل الشروع في البدل ، لزمه قراءة الفاتحة ، وكذا إن كان في أثناء البدل على الصحيح .

                                                                                                                                                                        وعلى الضعيف : يلزمه أن يقرأ الفاتحة ، بقدر ما بقي ، وإن كان بعد الركوع ، فقد مضت تلك الركعة على الصحة ، ولا يجوز الرجوع ، وإن كان بعد الفراغ من البدل وقبل الركوع ، فالمذهب : أنه لا يلزمه قراءة الفاتحة ، كما إذا قدر المكفر على الإعتاق ، بعد فراغه من الصوم ، وقيل : وجهان .

                                                                                                                                                                        [ ص: 247 ] فرع :

                                                                                                                                                                        يستحب لكل من قرأ الفاتحة في الصلاة أو خارج الصلاة أن يقول عقب فراغه منها آمين ، بالمد أو القصر بلا تشديد فيهما .

                                                                                                                                                                        ويستحب أن يفصل بينهما ، وبين ( ولا الضالين ) بسكتة لطيفة ، ليميزها عن القرآن ، ويستوي في استحبابها الإمام والمأموم والمنفرد ، ويجهر بها الإمام والمنفرد في الصلاة الجهرية تبعا للقراءة ، وأما المأموم فالمذهب أنه يجهر ، وقيل قولان . وقيل إن لم يجهر الإمام جهر لينبهه وإلا ، فقولان . وقيل إن كثر القوم جهروا ، وإلا فلا ، ويستحب أن يكون تأمين المأموم ، مع تأمين الإمام لا قبله ولا بعده . فإن فاته أمن عقب تأمينه .

                                                                                                                                                                        قلت : قال أصحابنا : لو ترك التأمين ، حتى اشتغل بغيره ، فات ، ولم يعد إليه ، وفي ( الحاوي ) وغيره وجه ضعيف : أنه يأتي به ما لم يركع .

                                                                                                                                                                        قال في ( الأم ) : فإن قال آمين رب العالمين ؛ كان حسنا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        يسن للإمام ، والمنفرد ، قراءة شيء بعد الفاتحة في صلاة الصبح ، والأوليين من سائر الصلوات .

                                                                                                                                                                        ويحصل أصل الاستحباب ، بقراءة شيء من القرآن ، ولكن سورة كاملة أفضل . حتى إن السورة القصيرة أولى من قدرها من طويلة ، وهل تسن السورة في الركعة الثالثة والرابعة ؟ قولان ؛ القديم وبه أفتى الأكثرون : لا تسن ، والجديد تسن لكنها تكون أقصر ، ولا يفضل الركعة [ ص: 248 ] الأولى على الثانية بزيادة القراءة ، ولا الثالثة على الرابعة على الأصح فيهما .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الذي صححه ، هو الراجع عند جماهير الأصحاب . لكن الأصح : التفضيل .

                                                                                                                                                                        فقد صح فيه الحديث ، واختاره القاضي أبو الطيب ، والمحققون ، ونقله القاضي أبو الطيب ، عن عامة أصحابنا الخراسانيين . لكن القاضي أبا الطيب خص الخلاف بتفضيل الأولى على الثانية ، ونقل الاتفاق على استواء الثالثة والرابعة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ويستحب أن يقرأ في الصبح ، بطوال المفصل ، كـ ( الحجرات ) وفي الظهر بقريب من الصبح ، وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل ، وفي المغرب بقصاره ، ويسن في صبح يوم الجمعة أن يقرأ في الأولى ( آلم تنزيل ) وفي الثانية : ( هل أتى ) بكمالهما .

                                                                                                                                                                        وأما المأموم فلا يقرأ السورة فيما يجهر في الإمام إذا سمعه ، بل يستمعه ، وإن كانت الصلاة سرية ، أو جهرية ، ولم يسمع المأموم قراءته لبعده ، أو صممه ، قرأها على الأصح .

                                                                                                                                                                        قلت : لو قرأ السورة ، ثم قرأ الفاتحة ، لم تحسب السورة ، على المذهب والمنصوص . وذكر إمام الحرمين ، والشيخ نصر المقدسي في الاعتداد بها ، وجهين .

                                                                                                                                                                        قال أصحابنا : والمرأة لا تجهر بالقراءة في موضع فيه رجال أجانب . فإن كانت خالية ، أو عندها نساء ، أو رجال محارم ، جهرت .

                                                                                                                                                                        وفي وجه : تسر مطلقا ، وحيث قلنا : تسر ، فجهرت ، لا تبطل صلاتها على الصحيح ، والخنثى كالمرأة .

                                                                                                                                                                        وأما نوافل النهار المطلقة ، فيسر فيها قطعا ، وأما نوافل الليل ، فقال صاحب ( التتمة ) يجهر ، وقال القاضي حسين ، وصاحب ( التهذيب ) : يتوسط بين الجهر والإسرار ، وهو الأصح .

                                                                                                                                                                        ويستثنى ما إذا كان عنده مصلون ، أو نيام يهوش عليهم فيسر ، ويستثنى التراويح ، فيجهر فيها . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 249 ] فرع .

                                                                                                                                                                        يستحب للقارئ في الصلاة ، وخارجها ، إذا مر بآية رحمة ، أن يسأل الرحمة : أو بآية عذاب ، أن يستعيذ منه . أو بآية تسبيح ، أن يسبح . أو بآية مثل أن يتفكر ، وإذا قرأ ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) [ التين : 8 ] قال : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين ، وإذا قرأ ( فبأي حديث بعده يؤمنون ) [ المرسلات : 50 ] قال : آمنا بالله ، والمأموم ، يفعل ذلك لقراءة الإمام على الصحيح .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية