الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل .

الاحتجاج على غريب القرآن ومشكله بالشعر .

قال أبو بكر الأنباري : قد جاء عن الصحابة والتابعين - كثيرا - الاحتجاج على غريب القرآن ومشكله بالشعر . وأنكر جماعة - لا علم لهم - على النحويين ذلك ، وقالوا : إذا فعلتم ذلك جعلتم الشعر أصلا للقرآن . وقالوا : وكيف يجوز أن يحتج بالشعر على القرآن ، وهو مذموم في القرآن والحديث ؟ ؟ ! ! .

قال : وليس الأمر كما زعموه من أنا جعلنا الشعر أصلا للقرآن ، بل أردنا تبيين الحرف الغريب من القرآن بالشعر ; لأن الله - تعالى - قال : إنا جعلناه قرآنا عربيا [ الزخرف : 3 ] . وقال بلسان عربي مبين [ الشعراء : 195 ] .

وقال ابن عباس : الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن - الذي أنزله الله بلغة العرب - رجعنا إلى ديوانها ، فالتمسنا معرفة ذلك منه .

[ ص: 390 ] ثم أخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر ، فإن الشعر ديوان العرب .

وقال أبو عبيد في فضائله : حدثنا هشيم ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس : أنه كان يسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر .

قال أبو عبيد : يعني كان يستشهد به على التفسير .

قلت : قد روينا عن ابن عباس كثيرا من ذلك ; وأوعب ما رويناه عنه مسائل نافع بن الأزرق ; وقد أخرج بعضها ابن الأنباري في كتاب " الوقف " والطبراني في معجمه الكبير ، وقد رأيت أن أسوقها هنا بتمامها لتستفاد :

أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي الصالحي بقراءتي عليه ، عن أبي إسحاق التنوخي ، عن القاسم بن عساكر : أنبأنا أبو نصر محمد بن عبد الله الشيرازي ، أنبأنا أبو المظفر محمد بن أسعد العراقي ، أنبأنا أبو علي محمد بن سعيد بن نبهان الكاتب ، أنبأنا أبو علي بن شاذان ، حدثنا أبو الحسين عبد الصمد بن علي بن محمد بن مكرم المعروف بابن الطسي ، حدثنا أبو سهل السري بن سهل الجنديسابوري ، حدثنا يحيى بن أبي عبيدة بحر بن فروخ المكي ، أنبأنا سعيد بن أبي سعيد ، أنبأنا عيسى بن دأب ، عن حميد الأعرج وعبد الله بن أبي بكر بن محمد عن أبيه ، قال : بينا عبد الله بن عباس جالس بفناء الكعبة ، قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن ، فقال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر : قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به ، فقاما إليه ، فقالا : إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله فتفسرها لنا ، وتأتينا بمصادقة من كلام العرب ، فإن الله - تعالى - إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين . فقال ابن عباس : سلاني عما بدا لكما ، فقال نافع :

أخبرني عن قول الله تعالى : عن اليمين وعن الشمال عزين [ المعارج : 37 ] قال العزون : حلق الرفاق .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ .

[ ص: 391 ] قال : نعم أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول :


فجاءوا يهرعون إليه حتى يكونوا حول منبره عزينا



قال : أخبرني عن قوله : وابتغوا إليه الوسيلة [ المائدة : 35 ] ، قال : الوسيلة : الحاجة .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ .

قال : نعم ، أما سمعت عنترة وهو يقول :


إن الرجال لهم إليك وسيلة     إن يأخذوك تكحلي وتخضبي



قال أخبرني عن قوله شرعة ومنهاجا [ المائدة : 48 ] قال : الشرعة : الدين ، والمنهاج : الطريق .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟

قال : نعم ، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو يقول :


لقد نطق المأمون بالصدق والهدى     وبين للإسلام دينا ومنهجا



قال : أخبرني عن قوله : إذا أثمر وينعه [ الأنعام : 99 ] قال : نضجه وبلاغه .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟

قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :


إذا ما مشت وسط النساء تأودت     كما اهتز غصن ناعم النبت يانع



قال : أخبرني عن قوله تعالى : وريشا [ الأعراف : 26 ] قال : الريش المال .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟

قال : نعم ، أما سمعت الشاعر يقول :


فرشني بخير طالما قد بريتني     وخير الموالي من يريش ولا يبري



قال : أخبرني عن قوله تعالى : لقد خلقنا الإنسان في كبد [ البلد : 4 ] قال : في اعتدال واستقامة .

[ ص: 392 ] قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟

قال : نعم أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول :


يا عين هلا بكيت أربد إذ     قمنا وقام الخصوم في كبد



قال : أخبرني عن قوله تعالى : يكاد سنا برقه [ النور : 43 ] قال : السنا : الضوء .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟

قال : نعم ، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث ، يقول :


يدعو إلى الحق لا يبغي به بدلا     يجلو بضوء سناه داجي الظلم



قال أخبرني عن قوله تعالى : وحفدة [ النحل : 72 ] قال : ولد الولد ، وهم الأعوان .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟

قال : نعم ، أما سمعت الشاعر يقول :


حفد الولائد حولهن وأسلمت     بأكفهن أزمة الأحمال



قال : أخبرني عن قوله تعالى : وحنانا من لدنا [ مريم : 13 ] . قال : رحمة من عندنا .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ .

قال : نعم ، أما سمعت طرفة بن العبد يقول :


أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا     حنانيك بعض الشر أهون من بعض



قال : أخبرني عن قوله تعالى : أفلم ييأس الذين آمنوا [ الرعد : 31 ] قال : أفلم يعلم ، بلغة بني مالك .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ .

قال : نعم ، أما سمعت مالك بن عوف يقول :


لقد يئس الأقوام أني أنا ابنه     وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا



قال : أخبرني عن قوله تعالى : مثبورا [ الإسراء : 102 ] قال : ملعونا محبوسا من الخير .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ .

قال : نعم ، أما سمعت عبد الله بن الزبعرى يقول :


إذ أتاني الشيطان في سنة النو     م ومن مال ميله مثبورا



قال : أخبرني عن قوله تعالى : فأجاءها المخاض [ مريم : 23 ] قال : ألجأها .

قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ .

قال : نعم ، أما سمعت حسان بن ثابت يقول :


إذ شددنا شدة صادقة     فأجأناكم إلى سفح الجبل

.

التالي السابق


الخدمات العلمية