الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      [ ص: 161 ] وأموال الفيء والغنائم : ما وصلت من المشركين أو كانوا سبب وصولها ويختلف المالان في حكمهما وهما مخالفان لأموال الصدقات من أربعة أوجه :

                                      أحدها أن الصدقات مأخوذة من المسلمين تطهيرا لهم ، والفيء والغنيمة مأخوذان من الكفار انتقاما منهم والثاني أن مصرف الصدقات منصوص عليه ليس للأئمة اجتهاد فيه وفي أموال الفيء والغنيمة ما يقف مصرفه على اجتهاد الأئمة .

                                      والثالث : أن أموال الصدقات يجوز أن ينفرد أربابها بقسمتها في أهلها ولا يجوز لأهل الفيء والغنيمة أن ينفردوا بوضعه في مستحقه حتى يتولاه أهل الاجتهاد من الولاة والرابع اختلاف المصرفين على ما سنوضح .

                                      أما الفيء والغنيمة فهما متفقان من وجهين ومختلفان من وجهين : فأما وجها اتفاقهما فأحدهما أن كل واحد من المالين واصل بالكفر .

                                      والثاني : أن مصرف خمسهما واحد وأما وجها افتراقهما فأحدهما أن مال الفيء مأخوذ عفوا ومال الغنيمة مأخوذ قهرا والثاني أن مصرف أربعة أخماس الفيء مخالف الغنيمة لمصرف أربعة أخماس الغنيمة ما سنوضح إن شاء الله تعالى .

                                      وسنبدأ بمال الفيء فنقول : إن كل مال وصل من المشركين عفوا من غير قتال ولا بإيجاف خيل ولا ركاب فهو كمال الهدنة والجزية وأعشار متاجرهم أو كان واصلا بسبب من جهتهم كمال الخراج ففيه إذا أخذ منهم أداء الخمس لأهل الخمس مقسوما على خمسة وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لا خمس [ ص: 162 ] في الفيء ونص الكتاب في خمس الفيء يمنع من مخالفته ، قال الله تعالى : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } .

                                      فيقسم الخمس على خمسة أسهم متساوية : سهم منها كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ينفق منه على نفسه وأزواجه ويصرفه في مصالحه ومصالح المسلمين واختلف الناس فيه بعد موته ; فذهب من يقول بميراث الأنبياء إلى أنه موروث عنه مصروف إلى ورثته وقال أبو ثور : يكون ملكا للإمام بعده لقيامه بأمور الأمة مقامه وقال أبو حنيفة : قد سقط بموته وذهب الشافعي رضي الله عنه إلى أنه يكون مصروفا في مصالح المسلمين كأرزاق الجيش وإعداد الكراع والسلاح وبناء الحصون والقناطر وأرزاق القضاء والأئمة وما جرى هذا المجرى من وجوه المصالح والسهم الثاني سهم ذوي القربى زعم أبو حنيفة أنه قد سقط حقهم منه اليوم وعند الشافعي أن حقهم فيه ثابت ، وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب ابنا عبد مناف خاصة لا حق فيه لمن سواهم من قريش كلها يسوى فيه بين صغارهم وكبارهم وأغنيائهم وفقرائهم ، ويفضل فيه بين الرجال والنساء مثل حظ الأنثيين لأنهم أعطوه باسم القرابة ، ولا حق فيه لمواليهم ولا لأولاد بناتهم ومن مات منهم بعد حصول المال وقبل قسمه كان سهمه منه مستحقا لورثته والسهم الثالث لليتامى من ذوي الحاجات .

                                      واليتم : موت الأب مع الصغر ، ويستوي فيه حكم الغلام والجارية ; فإذا بلغا زال اسم اليتم عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يتم بعد حلم } .

                                      والسهم الرابع للمساكين وهم الذين لا يجدون ما يكفيهم من أهل الفيء ، لأن مساكين الفيء يتميزون عن مساكين الصدقات لاختلاف مصرفهما [ ص: 163 ]

                                      والسهم الخامس : لبني السبيل ، وهم المسافرون من أهل الفيء لا يجدون ما ينفقون ، وسواء منهم من ابتدأ بالسفر أو كان مجتازا ، فهذا حكم الخمس في قسمه وأما أربعة أخماسه ففيه قولان : أحدهما أنه للجيش خاصة لا يشاركهم فيه غيرهم ليكون معدا لأرزاقهم والقول الثاني أنه مصروف في المصالح التي منها أرزاق الجيش وما لا غنى للمسلمين عنه .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية