الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهذا شيء من ترجمة مروان الحمار

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ، القرشي الأموي أبو عبد الملك ، أمير المؤمنين آخر خلفاء بني أمية ، وأمه أمة كردية يقال لها : لبابة . وكانت لإبراهيم بن الأشتر النخعي أخذها محمد بن مروان يوم قتله ، فاستولدها مروان هذا ، ويقال : إنها كانت أولا لمصعب بن الزبير . وقد كانت دار مروان هذا في سوق الأكافين . قاله الحافظ ابن عساكر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بويع له بالخلافة بعد قتل الوليد بن يزيد ، وبعد موت يزيد بن الوليد ثم قدم دمشق كما ذكرنا ، وخلع إبراهيم بن الوليد ، واستتب له الأمر في النصف من صفر سنة سبع وعشرين ومائة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 263 ] وقال أبو معشر : بويع له بالخلافة في ربيع الأول ، سنة سبع وعشرين ومائة ، وكان يقال له : مروان الجعدي ، نسبة إلى رأي الجعد بن درهم ، ويلقب بالحمار ، وهو آخر من ملك من بني أمية كانت خلافته منذ سلم إليه إبراهيم بن الوليد إلى أن بويع للسفاح خمس سنين وشهرا ، وبقي مروان بعد بيعة السفاح تسعة أشهر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان أبيض مشربا ، أزرق العينين ، كبير اللحية ، ضخم الهامة ، ربعة ، ولم يكن يخضب . ولاه هشام نيابة أذربيجان وإرمينية والجزيرة في سنة أربع عشرة ومائة ، ففتح بلادا كثيرة وحصونا متعددة في سنين كثيرة ، وكان لا يفارق الغزو ، قاتل طوائف من الناس والترك والخزر واللان وغيرهم ، فكسرهم وقهرهم ، وقد كان شجاعا ، بطلا مقداما ، حازم الرأي ، ولكن من يخذل الله يخذل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الزبير بن بكار عن عمه مصعب بن عبد الله : كان بنو أمية يرون أنه تذهب منهم الخلافة إذا وليها من أمه أمة ، فلما وليها مروان بن محمد كانت أمه أمة ، فأخذت الخلافة من يده في سنة ثنتين وثلاثين ومائة لأبي العباس السفاح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 264 ] وقد قال الحافظ ابن عساكر : أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الحسن ، أنا سهل بن بشر ، أنا الخليل بن هبة الله بن الخليل ، أنا عبد الوهاب الكلابي ، حدثنا أبو الجهم أحمد بن الحسين ، أنا العباس بن الوليد بن صبح ، ثنا عباس بن نجيح أبو الحارث ، حدثني الهيثم بن حميد ، حدثني راشد بن داود ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال الخلافة في بني أمية يتلقفونها تلقف الغلمان الأكرة ، فإذا خرجت منهم فلا خير في عيش . هكذا أورده ابن عساكر وسكت عليه ، وهو منكر جدا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد سأل الرشيد أبا بكر بن عياش : من خير الخلفاء ; نحن أم بنو أمية ؟ فقال : هم كانوا أنفع للناس ، وأنتم أقوم بالصلاة . فأعطاه ستة آلاف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قالوا : وقد كان مروان كثير المروءة ، كثير العجب ، يعجبه اللهو والطرب ، ولكنه كان يشتغل عن ذلك بالحرب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عساكر : قرأت بخط أبي الحسين علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الأمير في مجموع له : كتب مروان بن محمد إلى جارية له تركها بالرملة عند انزعاجه إلى مصر منهزما :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 265 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما زال يدعوني إلى الصبر ما أرى فآبى ويدنيني الذي لك في صدري     وكان عزيزا أن تبيتي وبيننا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حجاب فقد أمسيت مني على عشر     وأنكاهما والله للقلب فاعلمي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا زدت مثليها فصرت على شهر     وأعظم من هذين والله أنني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أخاف بأن لا نلتقي آخر الدهر     سأبكيك لا مستبقيا فيض عبرة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا طالبا بالصبر عاقبة الصبر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم : اجتاز مروان وهو هارب براهب ، فاطلع عليه الراهب ، فسلم عليه ، فقال له : يا راهب ، هل عندك علم بالزمان ؟ قال : نعم ، عندي من تلونه ألوان . قال : هل تبلغ الدنيا من الإنسان أن تجعله مملوكا ؟ قال : نعم . قال : كيف ؟ قال : تحبها ؟ قال : نعم . قال : فأنت مملوك لها . قال : فما السبيل في العتق ؟ قال : بغضها والتخلي عنها . قال : هذا ما لا يكون . قال الراهب : أما تخليها منك فسيكون ، فبادر بالهرب منها قبل أن تبادرك . قال : هل تعرفني ؟ قال : نعم ، أنت ملك العرب مروان تقتل في بلاد السودان وتدفن بلا أكفان ، ولولا أن الموت في طلبك ، لدللتك على موضع هربك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال بعض أهل ذلك الزمان : كان يقال : يقتل ع بن ع بن ع بن ع م بن م بن م . يعنون يقتل عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس مروان بن محمد بن مروان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم : جلس مروان يوما وقد أحيط به ، وعلى رأسه خادم له [ ص: 266 ] قائم ، فقال مروان يوما لبعض من يخاطبه : ألا ترى ما نحن فيه ؟ لهفي على أيد ما ذكرت ، ونعم ما شكرت ، ودولة ما نصرت . فقال له الخادم : يا أمير المؤمنين ، من ترك القليل حتى يكثر ، والصغير حتى يكبر ، والخفي حتى يظهر ، وأخر فعل اليوم لغد ، حل به أكثر من هذا . فقال مروان : هذا القول أشد علي من فقد الخلافة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد قيل : إن مروان قتل يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة ، سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، وقد جاوز الستين ، وبلغ الثمانين . وقيل : إنما عاش أربعين سنة . والصحيح الأول ، وهو آخر خلفاء بني أمية به انقضت دولتهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية