الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الحادي والخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وقاعدة شروطه وموانعه ) لم أر أحدا من الفرضيين يذكر إلا أسباب التوارث وموانعه ولا يذكر أحد منهم شروطه قط وله [ ص: 199 ] شروط قطعا كسائر أبواب الفقه فإن كانوا قد تركوها ؛ لأنها معلومة فأسباب التوارث معلومة أيضا فالصواب استيعاب الثلاثة كسائر أبواب الفقه ، وإن قالوا لا شروط للتوارث بل أسباب وموانع فقط فضوابط الأسباب والشروط والموانع تمنع من ذلك ، وقد قال الفضلاء : إذا اختلفتم في الحقائق فحكموا الحدود وقد تقدم أول الكتاب في الفروق أن السبب يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم والشرط يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم والمانع ما يلزم من وجوده العدم ، ولا يلزم من عدمه وجود ، ولا عدم فبهذه الحدود والضوابط يظهر أن للتوارث شروطا وها أنا أذكرها على هذا الضابط فأقول : شروط التوارث ثلاثة كالأسباب تقدم موت الموروث على الوارث ، واستقرار حياة الوارث بعده كالجنين

[ ص: 200 ] والعلم بالقرب والدرجة التي اجتمعا فيها احترازا من موت رجل من مضر أو قريش لا يعلم له قريب فإن ميراثه لبيت المال مع أن كل قرشي ابن عمه ، ولا ميراث لبيت المال مع ابن عم لكنه فات شرطه الذي هو العلم بدرجته منه فما من قرشي إلا لعل غيره أقرب منه فهذه شروط لا يؤثر وجودها إلا في نهوض الأسباب لترتب مسبباتها عليها يلزم من عدمها العدم ، ولا يلزم من وجودها من حيث هو وجود ولا عدم ، بل الوجود إن وقع فهو لوجود الأسباب لا لها ، وإن وقع العدم عند وجودها فلعدم السبب أو لوجود المانع فهذه حقيقة الشرط قد وجدت في هذه الثلاثة فتكون شروطا

[ ص: 201 ] وقد تقدم أيضا أول الكتاب أن الشرط إذا شك فيه يلزم من ذلك العدم ، وكذلك السبب ، ولا يلزم من الشك في المانع العدم بل يترتب الثبوت بناء على السبب ، وهذا أيضا يوضح لك شرطية هذه الثلاثة مع أنهم لم يذكروها في الأسباب التي ذكروها ، ولا في الموانع بل أهملت وذكرها متعين وقد تقدم ذكر الأسباب وأما الموانع فأقصى ما ذكر فيها أنها خمسة وغالب الناس على أنها ثلاثة الكفر والقتل والرق وزاد بعضهم الشك احترازا من أهل السفينة أو الردم فإنه لا ميراث بينهم ، واللعان فإنه يمنع من إرث الأب والإرث منه فقد ظهر الفرق بين القواعد [ ص: 202 ] الثلاثة ، وهو المقصود

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( الفرق الحادي والخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وقاعدة شروطه وموانعه ) قلت : ما قاله في صدر هذا الفرق صحيح ثم [ ص: 199 ] قال ( وها أنا أذكرها على هذا الضابط فأقول : شروط التوارث ثلاثة كالأسباب تقدم موت الموروث على الوارث ، واستقرار حياة الوارث بعده كالجنين ) قلت : لا حاجة إلى ذكر الموروث وجعله شرطا ، وحياة الوارث بعده شرطا آخر ، ولا يصح أن يكون موت الموروث بنفسه قبل موت الوارث شرطا لامتناع توريث من يتعذر العلم فيهما بالتقدم والتأخر ولصحة التوريث بالتعمير في المفقود بل الصحيح أن شرط الإرث واحد ، وهو العلم أو الحكم بحياة الوارث بعد موت الموروث وبنسبته ورتبته منه

[ ص: 200 ] قال ( والعلم بالقرب وبالدرجة التي اجتمعا فيها احترازا من موت رجل من مضر أو من قريش لا يعلم له قريب ، فإن ميراثه لبيت المال مع أن كل قرشي ابن عمه ، ولا ميراث لبيت المال مع ابن عم لكنه فات شرطه الذي هو العلم بدرجته منه فما من قرشي إلا لعل غيره أقرب منه ) قلت : ما قاله في ذلك صحيح غير أنه نقصه الحكم بالقرب والدرجة إذا لم يكن ذلك معلوما ولكنه ثبت نسبه عند الحاكم قال : ( فهذه شروط لا يؤثر وجودها إلا في نهوض الأسباب لترتب مسبباتها عليها يلزم من عدمها العدم ، ولا يلزم من وجودها من حيث هو وجود ، ولا عدم بل الوجود إن وقع فهو لوجود الأسباب لا لها ، وإن وقع العدم عند وجودها فلعدم السبب أو لوجود المانع فهذه حقيقة الشرط قد وجدت في هذه الثلاثة فتكون شروطا ) قلت : قد ثبت أنه شرط واحد وهو العلم بحياة [ ص: 201 ] الوارث بعد موت المورث وبقرابته ورتبته منه أو الحكم بذلك قال

( وقد تقدم أيضا أول الكتاب أن الشرط إذا شك فيه يلزم من ذلك العدم ، وكذلك السبب ، ولا يلزم من الشك في المانع العدم بل يترتب الثبوت بناء على السبب وهذا أيضا يوضح لك شرطية هذه الثلاثة مع أنهم لم يذكروها في الأسباب التي ذكروها ، ولا في الموانع بل أهملت وذكرها متعين ) قلت : قد تبين أنها ليست ثلاثة بل شرط واحد فقط قال ( وقد تقدم ذكر الأسباب وأما الموانع فأقصى ما ذكر فيها أنها خمسة وغالب الناس على أنها ثلاثة الكفر والقتل والرق وزاد بعضهم الشك احترازا من أهل السفينة أو الردم فإنه لا ميراث بينهم واللعان فإنه يمنع من إرث الأب والإرث منه فقد ظهر الفرق بين القواعد [ ص: 202 ] الثلاثة ، وهو المقصود ) قلت : لا يصح القول بأن الموانع خمسة بل هي ثلاثة فقط فإن الشك في أهل السفينة والردم إنما منع من الميراث ؛ لأنه من فقدان الشرط ، وهو العلم أو الحكم بتقدم موت الموروث ، وكذلك اللعان ليس بمانع بل هو سبب في فقدان السبب ، وهو النسب وليت شعري لم لم يحكم هنا الحدود كما ذكره قبل عن الفضلاء وجميع ما ذكره في الفرقين بعد هذا صحيح ، وكذلك ما قال في الفرق بعدهما ، وهو الرابع والخمسون والمائتان إلا قوله : وقيل بالعكس فإني لا أدري الآن مراده بذلك



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الثالث والخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث ، وقاعدة شروطه وموانعه ) وهو أن أسباب التوارث هي الثلاثة المتقدمة أعني القرابة والولاء والنكاح بالمعنى المتقدم بيانه لما تقدم أول الكتاب في الفروق أن ضابط السبب ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه - ولو شكا - العدم ، وهذه الحقيقة قد وجدت في هذه الثلاثة الأسباب ، وأما موانعه فغالب الناس على أنها ثلاثة الكفر والقتل والرق ، وهو الصحيح لما تقدم أيضا من أن ضابط المانع ما يلزم من وجوده - أي يقينا - العدم ، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم كما لا يلزم من الشك في وجوده العدم بل يترتب الثبوت بناء على السبب ، وهذه الحقيقة قد وجدت في هذه الثلاثة الموانع ، وأما ما زاده بعضهم على الثلاثة الموانع المذكورة من الشك في أهل السفينة والردم ، واللعان ، وجعل الموانع خمسة فلا يصح ؛ لأن الشك المذكور إنما منع من الميراث ؛ لأنه من فقدان الشرط ، وهو العلم أو الحكم بتقدم موت المورث ، وكذلك اللعان ليس بمانع بل هو سبب في فقدان السبب ، وهو النسب ، وقد قال الفضلاء إذا اختلفتم في الحقائق [ ص: 217 ] فحكموا الحدود .

وقد حكمنا حد المانع المتقدم فلم نجده منطبقا على هذين كما علمت ، وأما شروطه فذكر الأصل أنها ثلاثة أيضا : تقدم موت المورث على الوارث ، واستقرار حياة الوارث بعده كالجنين ، والعلم بالقرب والدرجة قال : وهذه الثلاثة ، وإن لم يذكرها أحد من الفرضيين في الأسباب التي ذكروها ، ولا في الموانع التي ذكروها بل أهملوها بالكلية ، ولم يذكر أحد منهم شروط التوارث قط مع أن له شروطا قطعا كسائر أبواب الفقه فإن كانوا قد تركوها ؛ لأنها معلومة ، ورد عليهم أن أسباب التوارث كذلك فالصواب استيعاب الثلاثة كسائر أبواب الفقه ، وإن قالوا : لا شروط للتوارث بل أسباب وموانع فقط ورد عليهم أن هذه الثلاثة إنما يصدق عليها ضابط الشرط الذي تقدم أول الكتاب في الفروق من أنه ما يلزم من عدمه - ولو شكا - العدم ، ولا يلزم من وجوده وجود ، ولا عدم فبتحكيم الحدود كما تقدم عن الفضلاء يظهر أن هذه الثلاثة شروط للتوارث لا أسباب ولا موانع ، وذلك ؛ لأن العلم بالقرب والدرجة أي التي اجتمعا فيها مثلا احتراز من موت رجل من مضر أو قريش لا يعلم له قريب فإن ميراثه لبيت المال مع أن كل قرشي ابن عمه ، ولا ميراث لبيت المال مع ابن عم لكنه لما فقد شرط إرثه الذي هو العلم بدرجته منه ؛ إذ ما من قرشي إلا لعل غيره أقرب منه جعل الميراث لبيت المال دونه ، فعلم أن هذه الشروط لا يؤثر وجودها إلا في نهوض الأسباب لترتب مسبباتها عليها يلزم من عدمها العدم .

ولا يلزم من وجودها من حيث هو وجود ، ولا عدم بل الوجود إن وقع فهو لوجود الأسباب لا لها ، وإن وقع العدم عند وجودها فلعدم السبب أو لوجود المانع فهذه حقيقة الشرط قد وجدت في هذه الثلاثة فتكون شروطا . ا هـ . بتهذيب ، وتعقبه ابن الشاط أولا بأن الصحيح أن شرط الإرث واحد ، وهو العلم أو الحكم بحياة الوارث بعد موت الموروث وبنسبته ورتبته منه لوجهين

( الأول ) : أنه لا حاجة إلى ذكر تقدم موت الموروث وجعله شرطا ، وحياة الوارث بعده شرطا آخر

( الثاني ) : أنه لا يصح أن يكون موت الموروث بنفسه قبل موت الوارث شرطا لأمرين ( أحدهما ) امتناع توريث من يتعذر العلم فيهما بالتقدم والتأخر ( وثانيهما ) : صحة التوريث بالتعمير في المفقود وثانيا بأن جعله العلم بالقرب والدرجة التي اجتمعا فيها احتراز من موت رجل إلخ صحيح غير أنه نقضه الحكم بالقرب والدرجة إذا لم يكن ذلك معلوما ، ولكنه ثبت نسبه عند الحاكم . ا هـ . والله - سبحانه وتعالى - أعلم




الخدمات العلمية