الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 518 ] ثم دخلت سنة ست وخمسين ومائتين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في صبيحة يوم الإثنين الثاني عشر من المحرم قدم موسى بن بغا الكبير إلى سامرا فدخلها في جيش هائل قد عباه ميمنة وميسرة وقلبا وجناحين فقصد دار الخلافة التي فيها المهتدي جالس للعامة لكشف المظالم واستأذنوا عليه فتمادى الإذن ساعة وتأخر عنهم فظنوا في أنفسهم أن الخليفة إنما طلبهم خديعة منه ليسلط عليهم صالح بن وصيف فدخلوا عليه هجما فجعلوا يراطنونهم بالتركي ثم عزموا فأقاموه من مجلسه وانتهبوا ما كان فيه ثم أخذوه مهانا إلى دار أخرى فجعل يقول لموسى بن بغا : ما لك ويحك ؟! إنى إنما أرسلت إليك لأتقوى بك على صالح بن وصيف فقال : لا بأس عليك احلف لي أنك لا تريد بي خلاف ما أظهرت ، فحلف له الخليفة فطابت أنفسهم وبايعوه بيعة ثانية مشافهة وأخذوا عليه العهود والمواثيق أن لا يمالئ صالحا عليهم واصطلحوا على ذلك ثم بعثوا إلى صالح بن وصيف ليحضرهم للمناظرة في أمر المعتز ، ومن قتله صالح بن وصيف من الكتاب وغيرهم ، فوعدهم أن يأتيهم ثم اجتمع بجماعة من الأمراء من أصحابه وأخذ يتأهب لجمع الجيوش عليهم ثم اختفى من ليلته لا يدري أحد أين ذهب في تلك الساعة فبعثوا المنادية تنادي عليه في أرجاء البلد وتهدد من أخفاه فلم يزل في خفاء إلى أواخر صفر على ما [ ص: 519 ] سنذكر . ورد سليمان بن عبد الله بن طاهر إلى نيابة بغداد وسلم الوزير عبد الله بن محمد بن يزداد إلى الحسن بن مخلد الذي كان أراد صالح بن وصيف قتله مع ذينك الرجلين فبقي في السجن حتى رجع إلى الوزارة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما أبطأ خبر صالح بن وصيف على موسى بن بغا وأصحابه قال بعضهم لبعض : اخلعوا هذا الرجل . يعني الخليفة . فقال بعضهم : أتقتلون رجلا صواما قواما لا يشرب النبيذ ولا يأتي الفواحش والله إن هذا ليس كغيره من الخلفاء ولا يطاوعكم الناس عليه وبلغ ذلك الخليفة فخرج إلى الناس وهو متقلد سيفا فجلس على السرير واستدعى بموسى بن بغا وأصحابه ، فقال : قد بلغني ما تمالأتم عليه من أمري ، وإني والله ما خرجت إليكم إلا وأنا متحنط وقد أوصيت إلى أخي بولدي وهذا سيفي والله لأضربن به ما استمسك قائمه بيدي ، والله لئن سقط من شعري شعرة ليهلكن أو ليذهبن بها أكثركم أما دين أما حياء أما رعة ؟! كم يكون هذا الخلاف على الخلفاء والإقدام والجرأة على الله ؟! سواء عندكم من قصد الإبقاء عليكم ، ومن كان إذا بلغه هذا عنكم دعا بأرطال الشراب فشربها ; سرورا بمكروهكم ، واذهبوا فانظروا في منزلي وفي منازل إخوتي ومن يتصل بي هل فيها من آلات الخلافة أو فرشها شيء غير ما يكون في بيوت آحاد الناس ، ويقولون : إني أعلم علم صالح وهل هو إلا كواحد منكم ؟ فاذهبوا فاعلموا علمه فابلغوا شفاء نفوسكم فيه ، وأما أنا فلست أعلم علمه . قالوا : فاحلف لنا على ذلك . قال : أما اليمين فإني أبذلها لكم ، [ ص: 520 ] ولكني أؤخرها لكم حتى تكون بحضرة الهاشميين والقضاة والمعدلين وأصحاب المراتب في غد إذا صليت صلاة الجمعة . قال : فكأنهم لانوا لذلك قليلا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلما كان يوم الأحد لثمان بقين من صفر ظفروا بصالح بن وصيف فقتل وجيء برأسه إلى المهتدي بالله وقد انفتل من صلاة المغرب ، فلم يزد على أن قال واروه ، ثم أخذ في تسبيحه وذكره ، ولما أصبح الصباح من يوم الإثنين رفع الرأس على رمح ونودي عليه في أرجاء البلد : هذا جزاء من قتل مولاه . وما زال الأمر مضطربا حتى تفاقم الأمر وعظم الخطب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية